ثلاث ساعات متواصلة مع خان تأخذ بمشاعرك إلى حلم الإنسانية.. لا تشعر خلالها أنك تشاهد فيلما كالمعتاد، إنما أنت فى صحبة عرض إنسانى راق، وفريد من نوعه.
أنت تشاهد رسالة سينمائية تتحرك فى شكل وهيكل ودم ولحم إنسان، رسالة تقول لك "انتبه".. ثم تخبرك أنه ليس من معايير كونك إنساناً، لا دين، ولا عرق، ولا جنسية، ولا لغة، ولا لون، الفيصل الوحيد هو كونك خيّراً، أو .. شريراً، إنساناً أو شيطاناً، فمهما يكن دينك، إذا كنت شريراً فأنت شيطان، ومهما يكن دينك، إذا كنت خيّراً فأنت إنسان!
هذه هى الحكمة، والحقيقة الأكبر التى برع "خان" الهندى فى إبرازها، وتوصيلها، لعله يسمع ضمير العالم، ويملأ كيانه بها.
وهذه "الإنسانية" يخبرك خان أيضاً أنها ربما تأتيك من شاب من ذوى الاحتياجات الخاصة "متوحد" بينما يضن بها السليم المعافى، أو يحيد فى طريقه عنها، والحقيقة أن "الإنسانية" تتواجد حيث السلامة فى القلوب لا الأجساد.
وبكل وضوح يأتى لك بها خان صريحة، فيخبرك أن هذه "الإنسانية" لابد أن تعانى كثيراً فى عالم لا يجهل أبجدياتها، أو يتجاهل.. هذه الإنسانية هى نفسها التى تناهض التعذيب، والإهانة، يفعل بها ذلك كله.. وهذه الإنسانية قدرها أن تناضل كثيراً جداً وحدها، قدرها أن تفعل ذلك، وأن تغالب دموعها وهى تغنى we should over come some day.
نقلات عديدة جميلة ينقلك خلالها خان ما بين عمومية الإنسانية، وخصوصيتها، فهو إنسان، عندما يقابل مانديرا الأم العزباء، فيعرفك بصدق أنه من الممكن أن يحب بصدق، على الرغم من "توحده" وعوزه، فهو لا يطمع، ولا يبتز، ولا يستغل، وهو القادر على أن يفعل.. وحتى فى لقطات علاقته الخاصة معها كزوج هو "إنسان".
وخان ليس مصاباً برغم التوحد بالشيزوفرينيا، فهو نفسه فى إنسانيته العامة كالخاصة، فتجده الإنسان الذى يؤثر الناس، ويشعر بآلامهم، يصدق معهم، ولأجلهم، يتقن فعله وحديثه، وهو الذى يرفض الظلم ويعاديه أياً كان مصدره، وهو الذى لا ينسى ماما جينى وابنها، تلك المرأة العجوز التى استضافته أياماً، عندما كان بلا مأوى، فيذهب لنجدتها وصغيرها فى الإعصار وينسى تماماً إمكانية تعرضه للهلاك، يشعرك خان بالنهاية، أن شيزوفرينيا من يقال عنهم أصحاء هى أسوأ أثراً على الإنسانية والمجتمعات من التوحد، بعكس ما يعتقد كثير من الناس.
حتى الحصيات الصغيرة فى يد خان الشاب المتوحد، كان لها معنى، فهو يهوى اللعب بها "إنساناً صغيراً"، ثم أصبحت أداته "إنساناً كبيراً" لرجم الشرير، والذى لم يكن من شروط كونه كذلك أن يكون كافراً أبداً.. يعلمك خان ببساطة أنك وأننى يمكننا أن نرجم شياطين كثيرة تعيش بيننا، ترتدى للناس مسوح الضأن من اللين، بينما هم رءوس فتن كثيرة، اقتصادية، واجتماعية، وفكرية، فتناً إنسانية، وأنه فقط عليك أن تمتلك الشجاعة، والفطنة، وتفكر فى الرجم بذكاء.
رسائل أخلاقية كثيرة، بل كثيرة جدا، يلقى بها خان فى طريقك، فأبناء خان وكما يقول فى إحدى اللقطات يوفون بوعودهم، وخان لا يخون، ولا يمكنه أن ينسى ما علمته له أمه، وهو لا يخجله أبدا كونه تربية امرأة.. خان الإنسان الذى يرقص فرحاً، ويبكى حزناً، ويجافيه أخوه فيسامحه.. خان الذى لم يكن متوحداً بقدر ما كان موحداً حقيقياً، وبعمق.
ستنسى مع خان، من أنت، وما لونك، وما دينك، وما جنسيتك، وما لغتك، وستحب فقط أن تكون الإنساااااااااااااااان!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة