رغم كل ما يقال الآن على سبيل الاستسهال والاستهبال من نقد وهجوم كاسح على النخبه، إلا أنها كانت ومازالت وستظل تلعب دورا تاريخيا فى بناء صرح النهضة المصرية ، منذ البعثات الأولى التى رافقت مشروع محمد على، حتى اليوم، وتضم النخبه مثقفين ومفكرين ومبدعين وفقهاء وسياسين وقانونين وإعلامين، بالإضافة إلى العمود الفقرى الذى يمثله العلماء بقدر ما أضافوه من إنجازات مذهلة، حرقت مراحل التقدم وجسرت الفجوه بين الممكن والإمكان، وارتبط الدور الإيجابى للنخبه بالمراحل التى شهدت مشروعا لتقدم الدوله المصريه، فأصحاب المشروعات الكبرى هم أكثر الزعماء احتراما وتقديسا لقدرات النخبة ودعما وتفعيلا لها.
حدث ذلك فى تجربة محمد على وثورة 1919 ومشروع الدولة الناصريه بالإضافه لتجربة التحديث التى قادها الخديوى إسماعيل، قبل أن يتورط فى شرك الديون، وقدمت طلائع النخبة فى التجارب المختلفه نماذج يفخر بهم التاريخ المصرى (على مبارك – الطهطاوى- قاسم أمين- محمد عبده – أحمد شوقى – مصطفى مشرفه – على إبراهيم – سميره موسى – طه حسين – العقاد – محمود شاكر – زكى طليمات – الشيخ شلتوت – جمال حمدان – نجيب محفوظ – محمود مختار – رشدى سعيد – عزيز صدقى.. إلخ )
إلا أن الهجوم على دور النخبة مصحوبا بالازدراء والتعالى والتهكم، فقد بدأ فى عصر الرئيس السادات (الله يرحمه) حينما كان يحلو له وصف النخبه بالأفنديات والأراذل، ثم يستخدم الدين بطريقه مستفزه ومحرضه حينما يضيف لأوصافه تلك أنهم يفطرون فى رمضان، وضاق السادات فى نهايه حكمه بهؤلاء الأرازل فوضعهم جميعا فى السجون، وحينما دخلنا عصر مبارك المديد بدأ تجربته بشهر عسل قصير، ثم عادت الأمور إلى سابق عهدها، مع فرق جوهرى أن مستوى الهجوم والمهاجمين للنخبه أصبح الآن (مسخرة)، ولأسباب تتعلق بضعف بنيتهم النفسيه والعقليه، صار الشتامون لا يتورعون عن الاغتيال المعنوى لأى رمز مهما علا قدره ومكانته.
لكن الغريب أن تمتد حرب النخبه لتشمل مثقفين معارضين وإعلامين مستقلين، ولا أتحدث هنا على مجرد النقد باعتباره فرض عين، ولكن المزعج هو تلك الأحكام الإطلاقيه التى تطول الجميع بلا استثناء، فالنخبه ليست محل ثقه كلها، وإنهم مشغولون بالمظاهر والكاميرات.. إلخ.
وربما انطبق هذا النقد على قطاع منهم لكن هل يسرى هذا الهجوم على شخصيات بوزن ( أحمد زويل – محمد غنيم – محمد البرادعى – مصطفى طلبه – عبدالفتاح القصاص – طارق البشرى – هشام بسطويسى – نهى الزينى – يحيى الجمل – جلال امين – عصام شرف – عمرو حلمى – حمدين صباحى – عصام العريان – عبدالمنعم ابو الفتوح – عبدالغفار شكر – ممدوح حمزه ....الخ ) .
اذن فمع كل احترامنا لحسن النيه خلف هوجة النقد والاقصاء للنخبه المصريه المحترمه، الا ان هذا الهجوم لا يستفيد منه الا الصغار الذين يريدون وطنا صغيرا يشبه المنتجع السياحى، لا يرون مصر الا عن طريق " المحور"، فتبدو مثلهم صغيره .