الأستاذ الدكتور وزير التعليم، تعشم الكثيرون وأنا منهم، تعشمنا خيرا بشغلكم لكرسى هذه الوزارة، ولأن الإرث الذى وقعت عليه أيديكم ليس بالهين حيث فيه الحسن والسيئ والحلو والحامض والسليم والأجرب، ترى سيادتكم هل من المنطقى الاهتمام بالسليم وترك المريض لحال سبيله يلقى مصرعه كل يوم ألف مرة.
لقد ابتليت مصر المسكينة فى الآونة الأخيرة بالكثيرين الذين ادعوا الكفاءة كجراحين أعملوا مشارطهم فى جسد الثانوية العامة التى تمثل القلب عند صاحبة الصون والعفاف المدعوة "العملية التعليمية "، دخلاء على الطب وصاروا جراحية، لن أذهب بعيدا ولكنها صرخة بحاجة إلى تدخلكم السريع لأن النتائج جد ظالمة.
لقد علمتم سيادتكم بعملية تسريب امتحان الثانوية العامة بمحافظة المنيا منذ عامين والتى تم التوصل إلى المتسببين فى حدوثها، ترتب عليها إحالة جميع رؤساء لجان الثانوية العامة على مستوى مصر إلى النيابة الإدارية التى حققت معهم وتمت إحالتهم إلى المحاكم التأديبية.
كانت التهمة الأولى والأخيرة تقريبا هى أن رئيس اللجنة لم يكتب يوميا محضرا بعدد أوراق الأسئلة الزائدة ويبعث به إلى لجنة الإدارة أو لجنةالنظام والمراقبة، والرد على هذه التهمة هو أنه منذ عرفت مصر الثانوية العامة أى منذ عشرات أو مئات السنين أو ربما منذ العصر الفرعونى فإن المتبع هو إرسال مظروف الأسئلة وبه الأوراق الزائدة التى ينوه عنها فى استمارة 1 مكرر وذلك مع بقية الأوراق الإدارية فى كيس أوراق الإجابة، عشت هذا وأنا ملاحظ ثم مراقب ثم مراقب كنترول ثم مراقب أول ثم سنوات وأنا رئيس لجنة وإذا أتيحت فرصة عودة من ماتوا وشبعوا موتا لقالوا إن هذا هو المعمول به منذ وطأت قدما الثانوية هانم تراب هذا الوطن المدعو مصر.
يمكن القول بأن إحصاء أوراق الأسئلة الزائدة وتسجيلها فى محضر وإعادة إرسالها إنما يمثل هذا فكر مواطن أهطل لأنه ليس بإحصائها نمنع تسريب أسئلة الثانوية العامة ،لأن من يؤمن بذلك لا يدرى أن الأوراق لا تصل إلى يد رئيس اللجنة بالعدد المضبوط، فعلى المظروف مسجل مثلا أن به مائة ورقة أسئلة وبالعد يمكن أن يزيد العدد عن 120 ورقة ،وهكذا لأن الأوراق توزع فى المظاريف بالميزان وليس بالعد.
من هنا يمكن لرئيس اللجنة أن يحصل على الكثير من الأوراق ولا شبهة تحوم حوله، كما أن الراغب فى تسريب الامتحان يمكنه تصوير الورقة وإعادة الأصل لو كان المظروف لا يحمل غير ورقة واحدة، ويمكن لرئيس اللجنة أن ينقل الأسئلة بخط يده ولا يكلف نفسه أخذ ورقة الأسئلة ويمكنه تصوير ورقة الأسئلة بالموبايل، يمكنه كل هذا مادام بلا ضمير ومادام يدير اللجنة بمفرده فى حال موت المراقب الأول والمراقبين والملاحظين وكل أبناء آدم، يحدث هذا وكأن التعليمات صدرت وتمت مخالفتها فى اليوم الأول من تعميمها على رؤساء اللجان، يحدث هذا وكأن المسئولين لا يحاسبوننا على لون قلم الطالب وسمك الخط و نقطة العرق التى سقطت من جبهة الطالب على ورقة الإجابة وعن دبوس كراسة الإجابة الذى قارب أحد أطرافه على الخروج من مكانه، أكثر من ألف وخمسمائة رئيس لجنة تم التحقيق معهم وإحالتهم إلى المحكمة التأديبية ومطلوب منى حضور محاكمتى فى القاهرة وأنا المقيم بسوهاج وغيرى بأسوان.
يطيب لى القول لإيمانى بأن الرب واحد والعمر واحد، إن ما يجرى إنما يمثل المهزلة بشحمها ولحمها وروحها التى تخجل لما يجرى.
محاكمة لنا على فعل لم يعمل به مطلقا فى وقت تخلينا عن عشرات الأشياء المطلوبة التى تنم عن جهل مدقع من بينها مكاتبات تتحدث عن طرود الأوراق ومكاتب بريد ووسائل نقل الطرود بالبغال وغيرها من وسائل نقل قبل اختراع موتور السيارة، راعينا ضمائرنا أو قل الغالبية العظمى راعت ضمائرها ومع ذلك نتهم بهذه الصورة المقززة، لذا وهنا أتحدث عن نفسى، سأكون عبيطا وأهطل إذا ما عملت بعد اليوم بضمير حى، سوف أدوس على ضميرى هذا بحذائى الرخيص، سوف أحتقر كل من يعمل كما عمل قبل محاكمته، سوف أبخل بالحرف وبالكلمة وبالنصيحة ولن أجود بأيها وإن علمت بأنها ستكون مصدر سعادة الكون، سوف أسعد بهدم المعبد على من فيه وأنا بينهم.
لقد كتبت مرارا عما يحدث فى امتحانات الثانوية العامة بصحف محترمة وواسعة الانتشار، ويعلم القاصى والدانى من هو صاحب اليد الطولى والعصا الغليظة وصاحب القول الفصل فى الإخلال بقدسية الامتحان والعبث بعذرية الثانوية العامة.
هى صرخة أراحت ضميرى ولا يهم أن يسمعها أحد إذ لن نخسر أكثر مما خسرنا، ونحن على أعتاب التقاعد، الحمد لله أن عرفنا أخيرا أن مراعاة الضمير لا تجلب غير وجع القلب.
* مدير بالشهيد عبد المنعم رياض الثانوية بسوهاج
