لو تكلمنا ابتداء من الملك فاروق وأنت جاى سنجد أن أحزاب الأقلية هى التى تحكم مصر.. لأن الدستور كان يسمح للملك أن يكلف أى شخص يريده لتشكيل الوزارة بغض النظر عن نتيجة الانتخابات البرلمانية.. ولأن الملك كان يريد أن يملك ويحكم فى نفس الوقت كان يكلف من أحزاب الأقلية من يشكل الوزارة حتى يستطيع توجيهها والسيطرة عليها كما يريد... والكل يعرف أن حزب الوفد كان هو صاحب الأغلبية بلا منازع فى ذلك الوقت عن حق... فكان من المفروض أن يحكم حزب الوفد طول الوقت إلى أن تتكون معارضة قوية تنتزع منه الحكم... ولكن لو حكم حزب الوفد كانت ستكف يد الملك فى تسيير الأمور لأن حزب الوفد لا يحتاج إلى مساندة القصر بسبب شعبيته الكبيرة فى الشارع التى تغنيه عن ذلك... الشىء الذى سبب ضعفا شديدا فى الحياة السياسية... وخلق بيئة مناسبة للفساد... وأضعف إدارة الدولة... والتى انتهت بفوضى وارتباك فى المجتمع المصرى أدى إلى حريق القاهرة ثم انقلاب يوليو.
وبعد أن جاء ثوار يوليو مسحوا الطاولة تماما من كل الأحزاب وبدأوا فى تكوين تنظيمات سياسية من فوق كراسى الحكم والسيطرة على النقابات وعلى مؤسسات الدولة وتسخيرها فى تحقيق مصالحهم.
وتعددت أشكال هذه التنظيمات واحد تلو الآخر ابتداء من هيئة التحرير ثم الاتحاد القومى ثم الاتحاد الاشتراكى ثم الحزب الوطنى... وكل هذه الأشكال ولأنها لم تنتج عن مبادرات شعبية تعبر عن مفاهيم هؤلاء الناس ومعتقداتها السياسية ومصالحهم... فإنها تعتبر أحزابا أقلية تعبر فقط عن مصالح الفئة الحاكمة وحاشيتها من بعض المثقفين والآن بعض رجال الأعمال وأصحاب المصالح... وظل عموم الشعب خارج الدائرة لا يمكن إدماجه فى العملية السياسية إلا إذا تركنا الأمور تمشى بطبيعتها حسب قواعد تسمح لمبادرات الناس السياسية أن تفعل وتتفاعل وتسلك تلقائيا فى محيط المجتمع والنتيجة يحددها المجتمع نفسه... بالضبط كما يحدث فى الاقتصاد الحر، حيث يحدد الطلب العرض والسعر فى النهاية أو القيمة.
الملاحظة الأخيرة هى أن هذه الأحزاب الصغيرة أحزاب الأقلية أيام الملك كانت تلجأ لتزوير الانتخابات لتحصل على أغلبية مقاعد البرلمان حتى تستطيع تمرير قوانينها وتعمل... أما فى ظل ثوار يوليو كان البرلمان مؤمم من المنبع وفى ظل امتداد نظام يوليو وإرهاصات التعددية كان لابد من العودة للتزوير كضرورة للبقاء.
