محمد الدسوقى رشدى

جنرال على كرسى الرئاسة.. إيه رأيك يا مصر؟!

الخميس، 25 مارس 2010 12:02 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى مصر الآن تيارات كثيرة تتحدث عن المستقبل، ليس مستقبل البلد ولكن مستقبل الرئاسة، ورغم اختلاف تلك التيارات وضبابية الرؤى التى تطرحها لم يلتفت أحدهم إلى الحقيقة المرة وهى أن بلداً بحجم مصر ومركزها تائه بهذا الشكل الذى يجعل المسئولين فى نظام حكمه قبل المعارضين لهم يبيتون على سرائرهم وأيديهم على قلوبهم خوفا من المجهول الذى قد يحدث غدا..

هناك تيارات تتكلم عن التوريث وكأنه حقيقة واقعة، وتيارات داخل هذه التيارات تختلف حول ما إذا كان التوريث سيتم فى وجود الرئيس أم لا؟! وتيارات بعيدة تؤكد أن هناك ثورة شعبية قادمة دون أن تقدم لنا دليلاً، وتيارات أخرى تحدثنا عن رئيس تم تسميته ولن يتم الإعلان عنه إلا حينما يقترب موعد جلوسه على العرش، وأغلب الظن هنا أنهم يتحدثون عن قادم من المؤسسة العسكرية، هذا بخلاف تيارات أخرى تؤمن بأن اسم رئيس مصر القادم سيأتى فى رسالة مكتوبة من الخارج وتحديدا من البيت الأبيض.. هل رأيت فوضى أكثر من ذلك؟

الواضح على الساحة الآن والذى يمكننا أن نمسكه بأيدينا ونشعر به لأننا نشاهده يحدث ببساطة طوال السنوات العشر الماضية أن هناك حالة تنظيف لكل الطرق التى تؤدى بجمال مبارك إلى كرسى الرئاسة خلفا لوالده السيد الرئيس حسنى مبارك، وهذا شىء يستدعى ممن لا يريدونه الحركة أو البحث عن فكرة حتى ولو كانت "طوبة" لوضعها فى طريق ذلك القطار الطائر نحو القصر الجمهورى.

دعك من الأفكار الوردية بأن جمال مبارك لن ينجح فى أى انتخابات رئاسية، أولا: لأن نظام الحكم الحالى لم يطعمنا فى أفواهنا أى انتخابات نزيهة تعبر عن إرادتنا منذ جاء إلى الحكم سنة 1981، حتى ولو كانت انتخابات فصل ثانية أول فى مدرسة ابتدائى، وثانيا لأن من له الحق فى منافسة جمال مبارك هم السادة أعضاء الهيئات العليا فى أحزاب مصر، وهم أنفسهم من تنحنى رؤوسهم الآن حينما يصادفهم السيد جمال مبارك فى أى حفل رسمى أو غير رسمى، كما أنهم -وبالصلاة على النبى- شخصيات مبنية للمجهول بالنسبة للشارع المصرى، وبعضهم لا يدخل حمام بيته إلا بإذن من أمن الدولة.

هل أغلق الآن كل المنافذ فى وجهك؟ هل ترى أننى أعود للنغمة القديمة وأزيدك يأسا على اليأس الذى أزدته فوق يأسك فى بداية الموضوع؟ ربما، ولكنها الحقيقة أو على الأقل 90% منها..
دعنى أجرب نفسى وألقى فى وجهك بفكرة قد تبدو لك "صدمة"، ماذا لو جاء جنرال من المؤسسة العسكرية التى نحترمها جميعا ونفخر بتاريخها الأكتوبرى- نسبة لأكتوبر- لينقذنا من عملية توريث نتابعها دون مشاركة.. الآن تصب كل لعنات السماء على وعلى كل من يفكر أن يعود بالعسكر إلى الحكم؟.. وكأن هناك أحداً آخر غير العسكر يحكمون الآن؟!

أنا أكلمك الآن عن الفكرة المضمونة.. ضع يدك على العسكرى الذى يقف أمام الملك مباشرة، حركة خطوة واحدة للأمام أو حتى إلى الجنب ستجده قادرا على الإطاحة بأى رتبة موجودة فى طريقه، حتى ولو كانت رتبة "نجل الرئيس"، المهم أن تحركه بسرعة ليقتنص قبل أن يتم التعامل معه، وهو نائم فى سكناته أو خانته منتظراً ما يحدث.

تخشى من حكم العسكر، أعلم ذلك، ولكن دعنا نتكلم بشكل أكثر واقعية.. منذ 28 سنة والمعارضة فى مصر تسعى بكل الطرق للإطاحة بنظام الحكم الحالى.. حاولوا وفشلوا ولم يستطيعوا خلخلة الكرسى من تحت حاكمه، فهل من الطبيعى أن نطمع الآن فى الإطاحة بجمال مبارك الشاب الذى يسير بخطوات مدروسة جيدا ويحصل على تأييد من الخارج قبل الداخل، ويضم أجنحة النظام فى صفه ويستعد لاستكمال مسيرة والده.. ربما، ولكننا لم نقدم حتى الآن دليلا على ذلك، فقد فشلنا فى عرقلة كل الخطوات التى تمت لتصعيد جمال مبارك، فهل نراهن الآن على الخطوة الوحيدة الباقية؟ من حقنا أن نفعل ذلك ولكن.. ليست كل الفرق تمتلك القدرة على الفوز فى الوقت الضائع خاصة لو فرقة مثل الشعب المصرى نجح النظام فى تكسير عظامه وأدواته على مدار ربع قرن فائت.

حينما نحول أنظارنا إلى لبنان واستدعائه "العماد ميشيل سلمان" لفض الاشتباك الحاصل بتولى الرئاسة، وإنقاذ البلد من مجزرة كانت تنتظرها بعد رحيل "لحود"، مرة أخرى سنضطر للعودة إلى الجيش، بالطبع أنا لا أقصد حكما عسكريا بالمعنى الذى تتعارف عليه كتب السياسية، وهو "الأنظمة التى تحكم الدولة إذا ما استلم العسكريون الحكم وأوقفوا العمل بالقوانين المدنية أو أخضعوها لسيطرتهم".

أنا أقصد رجلا عسكريا حازما وحاسما يفض الاشتباك، وينقذنا من شهوة الطامعين بالركوب فوق أنفاسنا، رجلا عسكريا ينتمى لتلك المؤسسة التى نفخر بها ونفاخر بها العالم، جنرالا تغلب عليه روح التكوين الوطنى، نثق فيه ويثق فينا، يشعر ويدرك المأساة التى تمر بها بلده، وينقذها من مصير متكرر مع حاكم غير مرغوب فيه شعبيا وغير موثوق فيها سياسيا، ولم يمش فى شوارع مصر إلا فى المواكب التى يتم إخلاء الطرق لها على حساب مصالح الناس..

جنرالا يعيد التجارب التى قد لا تكون كثيرة حينما صعد العسكر للحكم وأداروا الدفة لصالح وطنهم وشعبهم، ثم تركوا مقاليد الأمور حينما شعروا بأن الجديد لم يعد لديهم ورحلوا، ضع أمامك صورة الرئيس الموريتانى "على ولد محمد فال" الجنرال الذى وعد وأوفى وتخلى عن السلطة لتحصل موريتانيا على أول انتخابات رئاسية نزيهة تجرى فى الوطن العربى، ربما تكون تجربة "محمد نجيب" مشجعة على تلك الفكرة التى تقول باستقدام جنرال ينقذنا من طمع الطامعين فى السلطة، ألم يكن نجيب عسكرى يريد الديمقراطية وتسليم الحكم لأهل السياسة فى البلد، بعد أن شعر بأن الجيش أتم مهمته، ربما لم تسمح الظروف لمحمد نجيب بأن ينفذ خطته، ولكن الفكرة نفسها تزال قائمة وتظل حية تنبض بإمكانية التنفيذ والنجاح، أعلم أنها فكرة يوتوبية المنبع، ولكنها تظل من الأفكار المطروحة لمواجهة ما هو قادم ونرفضه.

أعلم أن الخوف من حكم العسكر يبلغ المدى، خاصة أن التجارب لا تسر عدوا ولا حبيبا، ولكننا لا يمكن أن نغفل أبدا أن الناس أحبت عبد الناصر، وأن القليل من الأخطاء لو تداركها شركاء ناصر لما كان وضعنا هو وضعنا الآن، ألم نكن فى عهد عبد الناصر ضامنين على الأقل أن الرجل الذى يحكمنا يحب الوطن ويخلص له ويقدم مصالحه على مصلحته ولا يتكسب على حسابه مليارات الدولارات.

الخيار يبدو صعبا ولكنه متكافئ إلى حد كبير، جمال مبارك ليس بعيدا عن العسكرة، ولا يعنى صعوده لكرسى الحكم أننا كسبنا حاكما مدنيا، لأن حكم العسكر لا يعنى وجود رجال بزى الجيش يديرون الأمور فحسب, فهذا لا يعدو عن كونه مجرد مظهر خارجى، بل يعنى الروح المهيمنة, والثقافة السائدة, والنظام الذى يسير وفقه المواطن والمجتمع, والسلوك الذى يتطبع عليه الناس, والنظام الاقتصادى الذى تسير وفقه أرزاق الناس ومعايشهم, وبالتالى فإن حكم العسكر يعنى النظام العام الذى يتنفسه الناس كل صباح ومساء منذ قرر مجلس قيادة الثورة أن يبقى، وجمال مبارك جزء لا يتجزأ من هذا النظام، صحيح أنه لا يرتدى زى جنرال، ولكنه من داخله عسكرى صغير فى زى مدنى عاش حياته وتربى فى بيت عسكرى، ونظام حكم عسكرى، والأسوأ من كل ذلك أنه سيستكمل تلك المسيرة دون جديد، أما الجنرال الذى سيأتى فقد يملك ميزة إضافية أنه على الأقل سيكون دما جديدا. وبما أننا نعيش على أمل يزرعه بداخلنا المتفائلون بأن جمال مبارك قد لا يكون مثل أبيه ويدعم الديمقراطية، فلماذا لا نعيش على هذا الأمل مع جنرال نضمن أنه يحب هذا البلد ومشى فى شوارعها من قبل.. وركب أحد أتوبيسات هيئة نقلها العامة؟






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة