
لم أكن أتوقع فى يوم من الأيام أن ينتابنى ذلك الحزن العارم الذى لحق بى بعد وفاة شيخ الأزهر فضيلة الإمام الأكبر سيد طنطاوى مثلما لم أكن أتوقع أن يأتى يوما فى حياتى وأحبه كل هذا الحب الشديد والذى عشته فى الفترة الأخيرة كانت خلافاتى مع شقيقى الأكبر حول فتاوى سيد طنطاوى تفوق جميع الخلافات، حيث كنت دائمة الهجوم وغير مؤمنه بما يقول أو يصدر من فتاوى إلا أن إجابة شقيقى الأكبر كانت تجعلنى أقف صامته عن المجادلة حينما يقول لى وهل لكى من العلم والمعرفة ما يحق لكى بمجادلة فضيلة الإمام الأكبر أو رفض فتواه وكنت وقتها أقف صامته ليس لدى رد واحتفظ فى قرارة نفسى بما أحمله تجاه رجل دين عرف عنه العديد من الفتاوى الشائكة ولم يكن رد شقيقى الأكبر والذى كان يحبه حبا جما ويحتفظ بمؤلفاته ويجادل زملاءه بالعمل من أجل احترام شخصية هذا الرجل قد أتى من فراغ ولكن قد تتلمذ شقيقى الأكبر على يديه منذ أن كان يصلى بمسجد النصر الكائن أمام منزلنا بمركز طما بمحافظة سوهاج ذلك المركز الذى شهد مسقط رأس فضيلة الإمام الأكبر تلك التنشئة الصعيدية والدينية والمتمثلة فى العديد من العادات والتقاليد تلك التى تربى ونشأ عليها الدكتور الراحل محمد سيد طنطاوى والتى جعلها تسرى فى عروق تلاميذه ما استطاع من خلاله أن يصبح رجل دين عادلا حكيما.
وليس بالغريب أن تجد حزنا عارما ينتاب البابا شنودة بعد رحيل شقيقه وصديقه فقد تزول الدهشة لديك إذا ما شاهدت آخر لقاء لفضيلة الإمام الأكبر مع الإعلامية رولا خرسا على قناة الحياة حينما أكد طنطاوى فيه أن ما يجمعه بالبابا شنودة صداقة أخوية قبل كونهما رجال دين حتى أنهما يتشاوران فى الأمور الشخصية وسألته وقتها خرسا هل سبب ذلك أنكما من الصعيد ومن محافظتين متجاورتين؟ ضحك الإمام الأكبر وأكد لها أنهما متفاهمان ويعلم كل منهما ما يدور بنفس الآخر.
كان ذلك اللقاء الذى شاهدته من البداية حتى نهايته بمثابة المحرك الذى أدار تفكيرى 180 درجة عن انطباعى تجاه فضيلته وتمنيت لو أن كل من ينتقده لو سمع ذلك الحوار الذى نما وقتها عن أب صادق ومعلم فاضل ورجل دين بكل ما تحمل الكلمة من معانى لغير رأيه تماما.
لم يخسر مركز طما أحد من أبنائه ولم تخسر محافظة سوهاج رجل من رجال الدين الذين نشاءوا بها، بل خسرت مصر والعالم العربى والإسلامى عالم جليل وأبا حكيم لعل الله أن يعوضنا بمثله فليس هناك من هو خير منه.