يسرى فودة

نعم لحبس الصحفيين

الأربعاء، 24 فبراير 2010 07:43 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ربما ينزعج البعض، خاصة بين زملائنا الصحفيين، من دعوة كهذه. لكننا ننطلق إليها من إيماننا بثلاثة مبادئ أساسية. أولاً: أن لنا جميعاً فى القصاص حياة، كما شرع لنا الله عز وجل فى محكم آياته. وثانياً: أن التاريخ لم يعرف أبداً حضارة أو مجتمعاً سليماً يتمتع بالصحة إلا حين وقعت فكرة العدالة فى جوهر جوهره. وثالثاً: أن من شأن استثناء جماعة الصحفيين، بأى حجة من الحجج، مما ينطبق على بقية أفراد المجتمع وجماعاته ألا يضر فقط بهؤلاء بل أن يضر أيضاً أفدح الضرر بمهنة الصحافة نفسها، وبهؤلاء من أبنائها الذين يبذلون أقصى ما يستطيعون كى يتبينوا قبل أن يصيبوا قوماً بجهالة وكى يرعووا قبل أن يصيبوهم بعمد.
وقبل أن تختلط الأمور ينبغى أن نوضح أننا لا نقصد بهذه الدعوة هؤلاء الصحفيين الذين يعبرون عن آرائهم مهما كانت طبيعة هذه الآراء. بل إن هذا الحق ليس حكراً على الصحفيين؛ فهو يمتد إلى كل مواطن ويكفله الدستور والشرائع والمنطق والفطرة. ومن أجل أن نستحق جميعاً، صحفيين أو غير صحفيين، هذا الحق فى حرية التعبير علينا جميعاً أن ندفع الثمن، والثمن هو أن نعرف دائماً أين تنتهى حريتنا، وأين تبدأ حرية الآخرين.
ونحن لا نضيف جديداً حين نقول إن هذا بعينه هو ألف باء العمل الصحفى، من لا يجيدها قد يصيب الآخرين بجهالة، ومن يجيدها قد يستغلها لإصابتهم بعمد، ولا يحتاج العالم إلى إعادة اختراع العجلة فلدينا من الفهم التراكمى ما يكفى لإدراك الفارق، ولدينا من القوانين ما يكفى للتعامل مع الموقفين. إن وسائل الإعلام جزء من الواقع وإن العاملين فيها جزء من المجتمع، وبمعنى أو بآخر يمكن النظر إلى صفحة الجريدة كأنها شارع فى مدينة، وإلى قناة التليفزيون كأنها ميدان عام، وإلى شاشة الكمبيوتر كأنها مقهى.

فإذا كنا نتوقع أن ينال عقابه العادل ذلك الذى يبصق علينا فى الشارع دون وجه حق أو يشتمنا فى الميدان «لله فى لله» أو يركلنا فى المقهى «غلاسة وخلاص»، فإن من المنطقى أن نتوقع الشىء نفسه مع من يأتى بالشىء نفسه فى وسائل الإعلام... إلا إذا استطاع أن يشرح لنا دافعه إلى ذلك.

فى عالم الصحافة المهنية لا يوجد فى مثل هذه الحالات سوى دافع واحد هو الحقيقة التى استطاع الصحفى المحترف أن يصل إليها واستطاع فى الوقت نفسه، قبل أن يخط كلمة واحدة، أن يصل إلى ما يدعم الحقيقة التى وصل إليها من أدلة وإثباتات.

فى غياب ذلك لا بد للعدالة من أن تأخذ مجراها دون تمييز على أساس المهنة؛ فليس على رؤوسنا نحن الصحفيين ريشة ولا الآخرون أولاد ستة. ذلك أنه بدون هذا، ونحن هنا نفترض حسن النية، ما الذى يمكن أن يدفع الصحفى إلى أن يحرص على استكمال أدواته، وإلى أن يبذل جهده قبل أن يقع ضحية إغراء مانشيت مثير يمكن أن يدمر حياة فرد أو أسرة أو جماعة ربما إلى غير رجعة.. فقط هؤلاء الذين يقسون على أنفسهم أولاً يرحمهم الله ويرحمهم الناس، وفقط هؤلاء الذين يعقلون أمورهم يفهمون لماذا اختار الله، عز وجل، أن يوجه خطابه عن القصاص لأولى الألباب.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة