اهتم الإعلام فى الفترة الأخيرة بمناقشة قضية زواج القاصرات من الأثرياء العرب والتى تعد فى ذاتها من أهم قضايا المرأة التى انشغل عنها الرأى العام بمؤسساته الحقوقية فى مصر ردحا من الزمن وتجاهلتها الأجهزة المعنية فى الدولة رغم شيوعها منذ سنوات طويلة حتى تفاقمت وتحولت إلى ظاهرة غريبة ومقلقة غير مأمونة العواقب وكأنه كتب على المصرين أن يدفعوا ضريبة العروبة وان كانت على حساب عزة وإباء فتياتهم وقد عمد الإعلامى القدير عمرو الليثى إلى مناقشة هذه القضية وتسليط الضوء عليها منذ ما يقرب من شهر عبر قناة دريم من خلال برنامجه (واحد من الناس) وقدم نماذج حية كدليل مسوغ بالصوت والصورة عن فتيات قاصرات انزلقن فى هذا الطريق على نحو فيه إذلال ومهانة لكرامتهن وعذريتهن و قد بلغن حدا لا تقره الأديان وتأباه الإنسانية فى كل الأوطان والغريب هو أن يشارك الآباء والأمهات فى تزويج فتياتهم القاصرات بهذه الطريقة المهينة ولا أدرى لماذا يقبلون على أنفسهم أن تعرض فتياتهم القاصرات أنفسهن متبرجات حاسرات الرؤوس والصدور على رجل غريب وطاعن فى السن وكأنهن الجوارى الحسان لمجرد أنه ثرى؟ ولا أدرى لماذا يقبلون على أنفسهم أن تتزوج فتياتهم عن طريق مافيا القاصرات المؤلفة من محام وسمساره وصاحب رغبة؟ حيث يعد الأخير هو الملك المتوج على عرشه بماله الذى أعمى القلوب والأبصار وهذا ما يحمل الجميع من حوله على تسخير أنفسهم من أجل إرضائه وتنفيذ طلباته ورغباته، فبماله يشترى والد الفتاة وأعوانه ويشترى الفتاة القاصر ذاتها بموجب عقد يحرره محام وفق رغبته فيه اسمه واسمها والمهر الذى لا يزيد فى الغالب عن أربعة عشر ألف جنيه فقط فبنود هذا العقد المجحف تخلوا من أية حقوق شرعية للفتاة وكأنه عقد مقطوع الأجر لا يكفل أى حقوق لها وغير موثق بالشهر العقارى أو من السفارات ولا يعتد به أمام المحاكم فى كثير من الأحيان وتتم هذه الزيجات بالطريقة التى رأيناها فالكل يحصل على نصيبه من المال ويحقق مآربه والفتاة تظل هى الضحية والأب هو الجلاد والثرى هو صاحب المتعة ولا يعنيه مشاعر وأحاسيس ضحيته كما لا يعينه رغبة الفتاة نفسها ففارق العمر والزمن يلغيان سائر الاتصالات الروحية والسيكولوجية بينهما فحياة البداوة بجفوتها وغلظتها وخشونتها وثرائها العريض لا تستطيع أن تلتقى وتتواصل بأى حال من الأحوال مع الحياة المدنية فى مصر بلينها ورقتها وجمالها ورشاقتها وفقرها الشديد ومن المحقق أن الموضوع فى جملته بالنسبة للثرى مجرد صفقة رابحة لإشباع رغباته الجامحة فما أنفقه من مال فى هذه الزيجة الشكلية أو غيرها ربما لا يكفى مصاريف ليلة من لياليه بدور الملاهى أو الشقق المفروشة للمتعة ولذلك فانه يرى أن هذه الزيجات عابرة و غير معمرة ولا تعنيه نهايتها حتى وإن انتهت فى آخر الأمر بمأساة حقيقية كما وصفتها احدى القاصرات بالتنازلات الأخلاقية التى تصل فى النهاية إلى علاقات غير مشروعة لضحايا الأثرياء اللاتى يرضخن للظروف ويتحولن إلى عاهرات بعد أن يكن قد فقدن كل شىء.
الغريب أيضا أن يحدث ذلك فى غفلة من الحكومة وكذلك من بوليس الآداب الذى يغض الطرف عن كل ما يجرى تحت سمعه وبصره من انتهاكات فاضحة وصارخة فى وضح النهار ويقف حيالها إلى اليوم عاجزا أو متعمدا لا يحرك ساكنا. إن هذه الزيجات السالفة والغريبة من نوعها تعد امتدادا لزيجات أخرى سابقة تعود وقائعها إلى مطلع السبعينات فى إحدى قرى محافظة الجيزة والتى كانت تعد فى ذلك الوقت من أهم القرى التى يقبل أهلها تزويج القاصرات وذلك حين كانوا يسعون فى استقبال أثرياء الخليج القادمين إلى مصر ليطلبوا منهم النسب والمصاهرة وكان الزواج يتم فى تلك الآونة بشكل لائق وموثق وفيه احترام وتقدير للمرأة المصرية فغدت هذه البلدة من يومها سوقا رائجا لزواج الأثرياء العرب من الفتيات القاصرات بعد أن حذا أغلب الناس فيها حذو الآخر وهم لا يهتمون بشىء قدر اهتمامهم بإرضاء أطماعهم وذلك بإتمام الصفقة وقبض الثمن فكانت النتيجة فى النهاية كسابقتها عدم الانسجام مع الزمان والمكان والبيئة، وقد تسببت هذه الفوارق فى نشوب خلافات عديدة بين زوجة ترى فى نفسها الجمال والدلال وتحتاج إلى من يشعرها بها وبين زوج رغم هرمه وشيخوخته يرى أن زوجته حق أصيل له اشتراها بماله وهى عنده كمتاعه ليس من حقها أن تطلب شيئا بل يجب عليها أن تطيعه فى كل شىء وتستمر الخلافات على هذا النحو وتضيق حلقاتها شيئا فشيئا إلى أن تصل ذروتها فلم يعد أحدهما يستطيع أن يحتمل الآخر ولم يكن أمامهما من حل إلا أن يذهبا إلى المحكمة للفصل فى قضيتهما بين أروقتها وفى الحقيقة أن المحاكم الخليجية تنظر كل يوم العديد من عرائض الدعوى التى تتقدم بها السيدات المصريات ضد أزواجهن من أبناء الخليج واللاتى يطلبن فيها الطلاق منهن والحصول على النفقة بأنواعها ومؤخر الصداق أو حضانة الأولاد أو طلب الرؤيا وهذا يشكل عبئا جديدا عليهن. ومما لاشك فيه أن هذه القضايا تأخذ وقتا طويلا لنظرها أمام هذه المحاكم بدرجاتها المختلفة و بعد أن تأخذ الأمور مجراها وتبلغ مداها يصدر الحكم بعد أمد بعيد والنتيجة فى كل الأحوال تكون مؤلمة بعد أن يقع الطلاق ويسدل الستار على واقع الغربة الأليم وحلمها المرير حين لم يعد هناك أمام هؤلاء المطلقات إلا أن يعدن أدراجهن إلى الوطن وهن منهزمات ومنكسرات يجرجرن وراءهن أذيال خيبة الأمل وضعف الرجاء وحلمهن الضائع فى الحياة ناعيات حظهن العسر عن سنوات العمر المنصرم كأطياف الكرى وهن ناظرات إلى الأيام المقبلة وقد عدن يحملن بين أيدهن وفى بطونهن أطفالا كتب عليهم اليتم والعيش بعيدا عن الآباء والأوطان كما كتب على أمهاتهم وهن فى ربيع العمر أن يعشن بتضحياتهن أرامل ومطلقات وهن مهمومات وتعسات فى الحياة.
رمضان عبد الوهاب يكتب: القاصرات ورغبات الأثرياء العرب
الأحد، 14 فبراير 2010 10:26 م