إنه لمشهد لافت للانتباه، وإلى النظر فى تأمل حزين ونحن نتابع ما يعانيه أهالينا فى شمال البلاد وجنوبها أثر حدوث كارثة غمر السيول للبيوت والطرق والزروع والأشجار، وكل ما يصادفها من موجودات فى الريف والحضر بشكل ميلودرامى عاصف ومأساوى قاتل ومرير فاق كل توقعات وجاهزية الإدارة المصرية رغم تكرار الحدث فى نفس المواقع تقريباً، ووفق سيناريوهات لا تختلف كثيراً فى تفاصيلها..
وتنقل لنا وسائل الإعلام بكل وسائطها عرض وقائع المشاهد المروعة لبيوت تنهار رأسياً على رؤوس ساكنيها، ومياه تُجريها ريح جبارة لا تقوى على الصمود فى مواجهتها حتى أعمدة الإنارة مهما كانت صلابتها فتقع وينثنى عودها ليسود الظلام مدناً كان يعمها الضياء ويستحيل ضجيج الحياة إلى وحشة يسكنها الموت والفناء والضياع فى فضاء أعيد تشكيله..
ويهب الناس من كل صوب وحدب تتابعهم الفضائيات بعد تحريضهم للتسارع لنجدة الملهوف والسائل، وإغاثة الضعيف والمنكوب فى بيته وأمانه ورزقه وحياته.. ورغم تأخر الوصول والحضور الفاعل على أرض الحدث لأسباب قد تتعلق بضعف ثقة الناس بأجهزة الحكومة التى يمكن أن تكون وسيطاً ماهراً وجاداً بينهم وبين أصحاب الاحتياجات العاجلة لاستمرار الحياة، ولكن وبمجرد ظهور مؤسسات وجمعيات استطاعت بمهارة إعلامية التدليل على مدى الكفاءة فى أن تلعب ذلك الدور الإنسانى النبيل تدفقت المعونات عبر ناقلات عملاقة يشارك فى تعبئتها الأهل والأحباب بتجاوب رائع لتنظيم موجات إغاثة تتدفق فى مواجهة موجات السيول لتنكسر حدتها وتتراجع آثارها العاصفة..
وأبحث فى الوجوه فلا أجد كهنة الفضائيات أو قساوسة المظاهرات، ولا أتبين فى الحضور شيوخ الفتاوى أو دعاة التحليل والتحريم.. وكنت أتصورهم فى مقدمة المشهد، وهم الذين استثمروا العقائد والأديان والطقوس فى تبليغ ما ينشدون من أهداف بعد نجاحهم فى إيجاد حالة سائدة من التدين الشكلى والظاهرى لدى مجتمعاتهم وعبر كل آليات التواصل التى سمحت للأسف عبر الحقب القليلة الماضية بتعظيم وقبول ذلك الدور والترحيب به وبهم بعيداً عن مصالح الوطن والمواطن فكان غيابهم عن الحضور فى ذلك المشهد الوطنى الحزين..
وهم الذين حضروا وما غابوا أو تلكأوا لقيادة مظاهرات شجب فيلم بحب السيما ورواية وليمة أعشاب البحر.. تقدموا المشهد الرافض للضريبة العقارية ورفعوا اللافتات أمام البيت الأبيض..
شجبوا ومنعوا الذهاب إلى القدس وشجعوا الناس للتصفيق والزغاريد فى بيوت الله نفاقا وتزلفاً.. حللوا وحرموا وأطلقوا فتاوى وتنازعوا فيما بينهم على صحتها وأهمية تطبيقها للتنويه والتشريد للعقول والقلوب مع أنهم لو تركوا الناس لكتبهم المقدسة الواضحة الجلية فى تعاليمها وأحكامها لا نصلح الحال..
ورغم دعوة المسيحية الرائعة لإعمال المحبة، والتأكيد النبيل فى دعوة الإسلام على ضرورة التكافل الإنسانى والاجتماعى غابت الكنيسة ولم نشهد حضور المسجد بالشكل المأمول فى مشهد أنين أخوتهم فى الوطن ليضربوا المثل الوطنى الحقيقى بدلا من التصارع على نيل مكاسب سياسية لا تخصهم، والسعى إلى زعامات تنال من ثوابت عقائدهم، ونبل ورفعة الأمر الروحى.. أين الكهنة والشمامسة؟!.. أين الشيوخ والدعاة؟!
إن اتهام المؤسسات الدينية من قبل الرئيس مبارك بالتقصير، وفى مناسبة نحتفى فيها بالعلم ودور العلماء، وإثر ظرف صعب عاشه الناس فى نجع حمادى وعشناه جميعاً فى ليلة الاحتفال بميلاد رسالة السلام، إتهام تحمله المناسبة العديد من الدلائل لمناطق الخلل التى يجب أن يعكف على دراستها قيادات تلك المؤسسات، وأن يعوا أن غسيل أياديهم من خطيئة غيابهم، واعتذارهم عن عدم الحضور فى محافل استدعاء الوطن لكل قيم ونبل الرسالات حكاية لم تعد مقبولة !!.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة