انتهت الانتخابات البرلمانية بحمد الله، التى يصر البعض على وصفها بأنها أكبر انتخابات فى تاريخ مصر، وهذه المقولة الواصفة تذكرنى ببعض زملاء الجامعة الذين كانوا يرددون بأن السنة الثانية هى أصعب سنة جامعية، ورغم مرور السنوات وحصولى على درجتى الماجستير والدكتوراه وعملى الأكاديمى وأظننى لا ولن أعرف سر صعوبة هذه السنة، مثل عدم معرفتى لكون هذه الانتخابات أكبر انتخابات فى تاريخ المحروسة.
أنا أعترف أننى لست من المحللين والمراقبين لعملية الانتخابات التى جرت صباح الأحد الماضى، والأحد قبل الماضى، لكنى مثل آلاف المصريين الذين أصيبوا بصداع اللافتات والملصقات الدعائية التى كان معظمها معاول هدم ضد المرشح نفسه، فكثير من هذه اللافتات كانت خير دليل على بداية غير مطمئنة، فهذه المرأة المنتمية إلى جماعة المحظورة والتى اكتشفت فى نفسها فجأة كل مقومات التمثيل النيابى راحت تكتب تحت اسمها أسفل صورتها بأنها ابنة المؤسسة التى تعمل بها، عن طريق وضع همزة أسفل الألف، وهذا خطأ لغوى فادح، وهذا المرشح الذى كتب اسمه دونما وعى بهمزة أسفل حرف الألف فى كلمة أحمد، فكتبت هكذا (إحمد)، وكأن لسان حاله يقول لأبناء دائرته: احمدوا ربنا على ترشحى.
ورغم أن هذا الأمر يبدو بسيطاً لآلاف المشاهدين، ومن ناحية أخرى، يبدو تافها لقطاع عريض من الشعب، بحكم ما يعانى بعض أبنائه من لغط لغوى وثقافى وتعليمى أيضاً، إلا أن التجاهل المتعمد والمقصود منا كمواطنين تجاه هذه الصغائر فى عيون البعض هو الذى يجعل هذا النائب أو النائب يظن أن المواطن كاد يدخل فى غيبوبة مستدامة.
ومن الظواهر العجيبة فى أكبر انتخابات شهدتها مصر ـ على حد وصف الخبراء والمحللين ـ انتشار العنف والبلطجة فى أثناء إجراءات الانتخابات باللجان المتعددة، وبالقدر الذى تشهده الحياة السياسية فى مصر من حراك وفعالية مشهودة، تشهد أيضاً قدراً مبالغاً من فرط المحبة لبعض المرشحين متمثلاً فى أعمال العنف والبلطجة، ورغم هذا ندعى أننا نشهد أكبر انتخابات برلمانية.
أنا شخصياً لم أستوحش هذه المشاهد الدموية داخل وخارج اللجان الانتخابية، فالصورة تلك تم نقلها حصرياً من داخل أروقة وقاعة مجلس الوطن، أقصد الشعب حالياً، فمنذ فترة ليست بالبعيدة كنا نشاهد جميعاً من يلوح بحذائه تحت قبة البرلمان وكأنه يحلف يمين طلاق على زوجته، ومنهم من استخدم عبارات بذيئة موجهاً حماقاته نحو زميل له يجمعهما دستور وقانون وميثاق شرف بينه وبين المواطن الذى انتخبه تحت شعارات وهتافات لم تتحقق منذ دخوله البرلمان.
وللغاضبين من إشارتى المكررة نحو التنظيم السياسى المحظور، أقصد جماعة الإخوان، كنت أتمنى أن يتجسد هذا الحشد الشبابى حول تجمعاتهم ومقار مرشحيهم من حملة اللاب توب وموزعى السيديهات الدعائية فى نجاحات جماهيرية، لكن المواطن لم يعد بسيطاً أو عادياً كما تخيلته المحظورة ،أصبح على وعى شديد بمن هو جدير بأن يرفع صوته للمسئولين وللنظام، ومن يسعى لمصالحه ولمصالح لا تقتضى بالنهوض بالأمة والمجتمع فى سياقها المدنى.
ورغم أننى أتوقع بعض التعليقات التى ستهاجم هذه السطور وصاحبها بمجرد ذكر الإخوان أو الجماعة المحظورة، إلا أننى مثل كثيرين ذهبوا إلى لجان الاقتراع وهم مصممون على انتخاب أى مرشح غير إخوانى، فكونى مسلماً كنت أحلم أن يشاركنى نائب إخوانى فى الاحتفالات الدينية داخل مكان العبادة، لكننى لم أشاهده يصطف بجوارى. أما على مستوى الارتقاء بالدولة المدنية، فكنت أحلم بأن يخرج علينا نائب إخوانى أو حتى مرشح ينتمى للمحظورة ـ بقرار سياسى وقضاء شريف ـ بتقديم تصور واضح للتعامل مع الآخر، لا مثل الذى حدث بإحدى محافظات الصعيد من التقرب إلى رجال الدين المسيحى وقت الانتخاب، أو الذى وضع شعار الهلال والصليب متلاحمين وقت الدعاية الانتخابية.
إن الأمر بدا واضحاً وجلياً، وهو سقوط المنتمين للجماعة المحظورة فى الجولة الأولى وتعالى نداءاتهم المتكررة بوجود نظرية المؤامرة التى كانوا ينادون بها، مشيرين للغرب بوجهه القبيح، أما هذه المرة فهم يلوحون إلى الداخل، ويؤكدون على قيام حركة سياسية موجهة ضدهم، رغم أن الشارع وحده هو الذى اختار من يمثله، بدليل إعلانهم عدم خوض انتخابات الإعادة، وكأنهم يعلنونها صراحة بأنهم لا طاقة لهم بانتخابات مجلس الوطن الذى يعيشون بأرضه.
لقد آن الأوان أن يعى المنتمون إلى المحظورة بأنهم شركاء فى هذا الوطن، دون الاهتمام بأية تحركات سياسية، بل عن طريق الانخراط فى الحياة الاجتماعية بصورة مدنية، وليست صورة وهيئة دينية، لأن بمصر هيئة دينية لها صفة العالمية وهى الأزهر الشريف، الذى يعمل جاهداً بشيخه المستنير على تنوير العقول التى أصبحت أكثر ظلامية.
وأخيراً ألف مبروك لأولئك الفائزين بعضوية مجلس الوطن العريق، أقدم برلمانات العالم، وعلى الخاسرين والساقطين سقوطاً صاخباً أن يدرسوا أسباب الهزيمة والسقوط الذى كان بالضرورة بأيديهم لا بيد عمرو.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة