الحزن سحابة سوداء تظلل سماء الوطن، فى سرادق العزاء الوطنى ملايين الهامات، والقامات، وأرباب الشرف من نواب الشعب الحقيقيين، ينصتون فى خشوع لآيات الذكر الحكيم (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون، إن كنتم مؤمنين).. صمت وإطراق وشجن وكبرياء وإصرار، إنها المعانى التى لا يمكن إدراكها إلا إذا رأيتم مثلى آلاف الوجوه الشابة المرصوصة، والتى يسعى نورها بين أيديها وفى حناجرها ولمعة عيونها، وهى تنسحب فى كبرياء دامع من ساحة الأمل- فى بلطيم- إلى منازل الانتظار، يحملون معهم دفء حمدين، وصلابة حمدين، وإيمان حمدين، الذى تحول فى عيونهم وبصائرهم من قائد سياسى ونائب شعبى إلى وردة للضمير، يزداد أريجها ورحيقها مع المسنين.
لن تدركوا نبل الأسى إلا إذا استمعتم مثلى لجمال زهران، وحازم فاروق والبدرى فرغلى وعلاء عبد المنعم ومحمد عبد العليم ومصطفى الجندى، أو اذهبوا إلى (ببا) وتأملوا فارسها سعد عبود، وهو يترجل وسط مؤيديه الذين حرمهم حزب الحديد من بلورة الضوء، راقبوا إصرار محمد البلتاجى وغضب مصطفى بكرى وانفعال صبحى صالح، وحسرة منى مكرم عبيد.
التقى كل هؤلاء اليوم السبت ومعهم كل الذين يحلمون بدولة العزة والكرامة لا ليقيموا عزاءً لمصر، كما كتب بعض أصحاب النوايا الطيبة، لكن العزاء لا يكون إلا لنظامنا السياسى الذى فقد الشرعية كاملة، ومعها ورقة التوت الأخيرة، بالأمس توحدت الصفوف فى زى الحداد، تتراص الأكتاف، وتكون اللحمة، اليوم حبل وطنى متين، واعتصام بالله وثوابت الوطن.. فمرحباً بأبناء سعد زغلول الذين انسحبوا من المهزلة، وأهلاً بأبناء الإمام الشهيد حسن البنا، الذين نجوا من شرك عصابة السلب والنهب.. والتحية خالصة لأبناء جمال عبدالناصر، الذين وعدوا وصدقوا فكان الانسحاب تاجاً للكرامة.
اليوم ينتهى الخطاب المزدوج، فلا السلطة بعد تسريبات ويكيليكس قادرة على ادعاء أنها سلطة وطنية، ولا بعد مجزرة الأحد تستطيع القول بأنها ديمقراطية، واليوم ينتهى الرهان على خدعة الهامش الديمقراطى وحوارات الطمأنة والوعود المعسولة، وأحاديث المشاركة.. فلم تبق سوى القطيعة النهائية، والتحول من فلسفة الإصلاح الجزئى والتدريجى إلى التغيير الشامل بالعصيان المدنى، فمصر قبل 28 نوفمبر تختلف عن مصر بعدها، سقطت حصوة الملح من عين نظامنا السياسى، صار المشهد عارياً، انتهى عصر الأصباغ «والماسكات» الملونة، سقطت السلطة داخل حزبها من أول لعبة المجمع الانتخابى حتى رجم أعضاء الحزب مقراته فى سائر المحافظات، وجاءت الشهادات موثقة بتقفيل اللجان من داخل حزب الأغلبية (المكسحة)، أما القضاء الإدارى فى مصر، فقد حقق البطولة القضائية المطلقة، حينما نظر آلاف الطعون فى أيام وساعات قليلة ليقضى ببطلان وإيقاف الانتخابات فى معظم الدوائر، وتمتنع اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات من تنفيذ 1200 حكم قضائى لصالح المرشحين، ويشهد المستشار الدكتور البيومى محمد البيومى نائب رئيس مجلس الدولة بهزلية الانتخابات وبأنها لم تشهد أى نوع من الديمقراطية، بالإضافة لشهادات 123 منظمة حقوقية كانت تراقب الانتخابات وأكدت جميعها بالوثائق تزوير إرادة الناخبين، أما الإعلام الدولى فقد استخدم بعضها تعبيرات قاطعة مثل (حملة الحكومة لتطهير المؤسسات السياسية من المعارضة قبيل الانتخابات الرئاسية) وهو ما جاء فى (الجارديان) البريطانية، أما باقى الصحف الأوروبية والأمريكية فقد تحدث معظمها عن المهزلة، وطالبوا بالضغط على الحكومة المصرية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة