بيل جيتس عبقرى منذ نشأته، استطاع بعقلة ونبوغه وحسن التفكير والإبداع أن يحدث ثورة فى عالم الكمبيوتر والعالم الرقمى لا حدود لها ولا سابق عليها، أهلته هذه العبقرية لأن يكون أغنى رجل فى العالم، أو على الأقل من أغنى الأغنياء، هكذا أسس بيل جيتس شركة ميكروسوفت، التى استطاع بواسطة إنتاجها لبرامج الحاسوب من أن يتواجد فى كل منزل ومكتب وشركة.
هو رجل مبدع يعمل بعقله وليس بقدمه كلاعب كرة، ولا بجسمه كمصارع أو ممثل، ولا بجيبه كالمترفين الذين هطلت عليهم الثروات دون جد أو اجتهاد.. لذلك قرر بل جيتس مع بلوغه الخامسة والخمسين من العمر أن يترك إدارة شركته ميكروسوفت ويتفرغ تفرغاً كاملاً لمؤسسته الخيرية التى أسسها مع زوجته فى عام 2000 وتحمل الاسم الأول لكل منهما "بيل وميليندا" ويبلغ رأس مالها 37.3 مليار دولار، وهى معنية بمساعدة المرضى والكفاح ضد مرض الإيدز والملاريا والسل بصفة خاصة، وتعمل المؤسسة أيضاً ضد الفقر والجوع فى كل أنحاء العالم، وهى المؤسسة الخاصة الأضخم التى تعمل فى هذا المجال.
وقفة تأمل فى نقلة هذا الرجل من الأعمال والبيزنس إلى أعمال الخير التى يحتاج إليها الكثيرون من أبناء البشر خاصة فى دول العالم الثالث ودولنا العربية تحديداً، إن عقد مقارنة بسيطة بينه وبين من يحتكمون على الأموال الطائلة فى بلادنا نجده فرق شاسع جداً.. هو أخرج فكرة من رأسه أفادت العالم بأسره وجعلت الإنسان فى قلب الحدث والأحداث يتطور بسرعة فائقة بمساعدة الحاسوب، لا يستطيع أن يتخلى عنه ولا عن كل ما تبعه من إفادات ساعدت فى معرفة ورقى البشر، أما أكثر مليونيرات العرب فلم يخرجوا لنا إلا بالأفكار المجرمة والاتجار فى قوت المواطنين والمساكين ولم يكفهم الإفقار ونشر الفساد الذى تعانى منه معظم البلاد العربية، إنما راحوا يزحفون للاقتراب من السلطة عاقدين حالة فريدة من التزواج بين السلطة والمال، انظر إلى حالة مصر كمثال، وهو الأمر الذى آل إلى تضخيم ثروتهم ومن ثم انتشار الفساد والإفساد فى كل أرجاء مصر وانتهى بهم الأمر إلى الاستحواذ الكامل على كل كراسى مجلس الشعب المصرى فى الانتخابات الأخيرة، لافظين المعارضة قاضيين على بقايا ديمقراطية كسيحة أتت بها انتخابات 2005.
لأن بيل جيتس عبقرى وسلاحه فى عقله راح لا يسعى إلى انتخابات المجالس النيابية ولا إلى السلطة التى يمكن أن تحمى أعماله وتغطى احتكاراته وتمنح مصانعه وشركاته الأولوية والسبق كما يحدث عندنا، لكنه أدار ظهره إلى هكذا ثروة ومال مكتفياً بما حقق وبما نال، وراح يبحث عن المساكين وفقراء خلق الله فى العالم ليمد يده إليهم متسلحا ب 37 مليار دولار غير راغب فى منصب حكومى ولا رئاسى.. يريد فقط أن يساعد ويخدم المرضى والمساكين.
أما عندنا ورغم تمتعهم بملايين الملايين ومليارات المليارات فماذا فعلوا؟ لم يكتفوا بعد! ـ لا شىء يهمهم غير تأسيس إمبراطوريات الفساد الكبرى، يجمعون كل شئ فى أيديهم وأى شىء مستغلين المناخ المساعد لهم فى جوانب السلطة المختلفة! تجدهم يبحثون عن المناصب السياسسية.. والأمنية.. والإعلامية.. والتجارية وكل شىء.. وأى شىء، جمعوا حولهم الأرزقية وأصحاب النفوس الضعيفة والمنافقين وتدهور حال الناس والعباد وفتكت بهم الأمراض، ولم نسمع عن مؤسسة واحدة تهتم بشئ واحد وواحد فقط مثل مرض الكبد الوبائى، الذى يفتك بأكباد المصريين لكن فقط نسمع عن المؤسسات الضخمة كمؤسسات أسياخ الحديد أو السيراميك فى وما عداها وما تلاها.
السؤال الآن لماذا لم يكتف الحيتان بما جمعوه من ثروات؟ لماذا لم يفعلوا كما فعل بيل جيتس؟ لماذا لم يتوقفوا عن التشبث بالاستغلال والقفز على أعناق الناس فترة حياتهم؟ رغم أن الخروج من تلك الحياة يكون بلا أموال ولا ثروات.
الوطن فى حاجة إلى ريادة عاجلة من المفكرين والمثقفين والعلماء وأصحاب المكانة الفكرية المتألقة، نحن فى حاجة إلى من يقوم بإحلال ثقافة البيزنس والفساد بثقافة متأصلة تعمل على بعث نهضة فكرية ثقافية تجعل العقل يعمل ويفكر بشكل صحيح لا أن يبقى أسير البيزنس وجمع المال على حساب الفقراء نحن فى حاجة إلى بيل جيتس العربى، فهل يتحقق هذا الحلم يوماً ما؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة