أعرف أن الإخوان المسلمين تعرضوا لما لم يتعرض له معارض على وجه البسيطة من حرب إعلامية قذرة وشرسة إلى تزوير فاضح واعتقالات متواصلة إلى حفلات تعذيب عند أبواب لجان الاقتراع إلى الحكم على بعض أعضائهم بالسجن سنتين لاستخدام شعارات دينية فى الوقت الذى كان الوزراء يزورون الكنائس ويمرون على المساجد ولما سئل رئيس اللجنة العليا للانتخابات عن ذلك قال مفيهاش حاجة!
وأعرف أيضا أنهم صداع فى رأس النظام وأنهم طالما استمروا على رأيهم فى التصدى للفساد وبشراسة غير معهودة فإن أصحاب المصالح سوف يستمرون فى تحالفهم مع الحزب الحاكم من أجل وقف الإخوان بالطرق المشروعة وغير المشروعة.
وأعرف أيضا أن الإخوان يرغبون فى أن يكونوا فى طليعة القوى الوطنية التى تتصدى لهيمنة الخارج وقهر الداخل وهذا ما يعرضهم للوقوع بين مطرقة الغرب وسندان السلطة.
ولكننى أعرف أيضا أن استمرارهم فى مجاراة النظام تجعل وجود النظام مبررا أمام الغرب وأمام بعض المثقفين الذين ينكرون على الإخوان توجههم الإسلامى ولقد لاحظنا كيف تحدث الجميع عن الخشية من دولة دينية لو فاز الإخوان فى الانتخابات مع أن الجميع يعلم أنه حتى لو فاز جميع نواب الإخواب فلن يشكلوا أغلبية ولن يشكلوا الحكومة ولن يصلوا للسلطة بهذا العدد البسيط من المرشحين (130 مرشحًا).
لا أحد ينكر على الإخوان المسلمين اجتهادهم السياسى ووجهة نظرهم فى الإصلاح ولكن الأمر يتخطى فكرة مواجهة هذه النظم الغارقة فى الفساد باعتراف الداخل وبشهادات الخارج الموثقة، لذا فإننى ومن واجبى كمثقف يعتز بانتمائه للفكرة الإسلامية وبقابليتها لتقديم أفكار إصلاحية ناجحة لمجتمعاتنا وغيرها من مجتمعات العالم أعتقد أن انتخابات يوم الأحد الماضى يجب أن تكون نهاية الشوط وأنه يتعين على الجميع أن يعيد البحث فى طرق أكثر فاعلية من المشاركة السياسية مع نظام لا يمكن أن يعيش بلا تزوير وتزييف وكذب وخداع وهو يعتقد بمجموعة الصحف التى تسانده والقنوات الفضائية التى تشايعه أنه على حق وأن الشعب المصرى غرقان فى حب الحزب الذى تحول إلى مجموعة من رجال الأمن المحالين إلى المعاش لخدمة أو للاستفادة من رجال الأعمال المستفيدين بدورهم من مجموعة الوزراء الموجودون بأوامر عليا وليس وفقا لكفاءتهم، فمعظهم يدار بالريموت كنترول من مكان ما داخل المؤسسة الأمنية التى تسيطر فعليا على زمام الأمور بل وتدير الحياة المصرية من رغيف العيش إلى شومة عسكرى أمن الدولة وخراطيم تفريق المتظاهرين.
فى ظل معطيات من هذا النوع وفى ظل تراجع مخز ومهين للنخب الثقافية المدافعة عن حقوق الشعب وفى ظل قيام الإخوان بدورهم على النحو الذى يطيقونه ولا يطيقه غيرهم أصبح لزاما على الإخوان المسلمين أن يعرفوا أن مسايرة النظام والدخول فى انتخابات الإعادة هو إعادة إنتاج ما سبق من تزوير وتضليل وتزييف لوعى الأمة قبل إرادتها، وأنه بات يتعين عليهم أن يعلنوا فورا انسحابهم من انتخابات الإعادة فالمجلس القادم هو مجلس يعرف الجميع مهمته الرئيسية وهى مهمة ليست بالشريفة ولا العفيفة على الإطلاق لأن خطة التوريث الكامنة ستطفو على السطح والرموز الذين اختفوا خلال فترة الانتخابات سيعودون إلى مسرح الأحداث ليحتفلوا بالنصر العظيم وبالتالى سينتظرون ساعة التتويج.
أناشد الإخوان المسلمين أن ينسوا ملف الانتخابات وأن يعيدوا الحسابات ولا تثريب عليهم فقد بذلوا جهدهم ومعهم غيرهم من الرجال الشرفاء الذين فصل النظام رؤوسهم وذبحهم على رؤوس الأشهاد وبلا خجل وبلا حياء.
انسحبوا وانتصروا لكرامة المصريين الذين أهدرت كرامتهم والناس من حولنا يعايروننا.. هذه هى مصر.. عادت ريمة لعادتها القديمة.
آخر السطر
كنت تمنيت فى مقال سابق (لو أن لى صوتاً) أن يفوز بعض رموز المعارضة حتى نعطى للأجيال القادمة رسالة مفادها أن فى مصر معارضة يمكنها الفوز حتى فى ظل هيمنة النظام ولكن للأسف خاب ظنى ودائما ما يخيب خصوصا حين أتمنى على النظام أن يفعل شيئا إيجابيا ولو مرة فى سجل تاريخه الطويل.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة