منتصر الزيات

جمال البنا يرفض السُنة كالقرآنيين

الأربعاء، 24 نوفمبر 2010 07:56 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
وصلتنى ردود كثيرة وتابعت غيرها مما نشر هنا وهناك عما كتبته الأسبوع الماضى حول منهج جمال البنا فى تقصى الرخص والزلات ليصنع منه دينا جديدا، فقد أحدث المقال ومحتواه جدلا كنت أتوقعه، فما فى صدور الناس من دخان غاضب عما يكتبه الرجل يحتاج إلى تنفيس وتصريح وإعلان وبراءة، من الطبيعى جدا أن يكون للرجل أنصار سواء من السدنة أصحاب صناديق البخور الذين لهم مصلحة فى ترويج هذا المنهج الذى يرمى إلى دغدغة عواطف السذج والطيبين وإفراغ الدين من أهم ما يميزه من وسطية واعتدال حقيقى غير مزيف أو مفتعل، هؤلاء لا نعبأ بهم ولن نحفل بالرد عليهم, وله بالطبع أنصار نحترمهم من العامة حتى أولئك الذين ينتهجون مناهج علمانية أو ليبرالية ونجتهد فى الحوار معهم بالتى هى أحسن, وحرية الحوار تعنى أن يستفيد الطرفان منه بالحذف أو الإضافة.

مثل هذه القضايا تحتاج إلى مناخ معتدل ونفاذ بصيرة، لا تحتاج إلى صراخ وصوت عال فى التأييد أو الرفض، أصحاب منهج الوسطية وهم الكثرة الغالبة يهمهم سيادة الإسلام بوسطيته واعتداله التى تحافظ على منابعه الصافية وسلفه الصالح وتعاليمه الصالحة لكل زمان ومكان باعتباره الدين الخاتم، وهنا لا بد من تحية «اليوم السابع» على قبولها فكرة الحوار وتوفير الأجواء لنزال فكرى وفقهى راق ومعتدل، وما أظن غيرها يملك رحابة الصدر التى تسمح به دون فيتو، اللهم إلا مراعاة الآداب العامة والأخلاق، وهنا يطيب لى أن أذكر بالثناء والتقدير الكاتب الفلسطينى المعروف خباب الحمد الذى أفرد بحثا مطولا جدا تناول فيه بالرصد والتقييم كل أعمال جمال البنا.

لسنا بالطبع ضد الحداثة والعصرنة، كما أننا لسنا من المقلدين الذين يرفضون التجديد والاجتهاد، تلك أولية يحسن أن نقدمها فى مكان متميز من الحوار هو تجديد الخطاب الدينى، والإسلام هو رائد التجديد والاجتهاد، فهو يتميز بالمرونة ومراعاة التطور الحاصل فى المجتمعات، وقد أجمع العلماء من السلف والخلف على أن الله سبحانه وضع كليات وقواعد وأصولا ثابتة لا تقبل التغيير فى مجموعة العقائد والتشريعات وترك التفاصيل رهنا بتطور الحياة ومواءمة المصالح وهو ما عبر عنه علماء الأصول «التشريع لله ابتداء وللبشر ابتناء» البشر يشرعون ابتناء على الأصول الكلية والقواعد العامة، وهنا يأتى الاجتهاد.. أفٍّ لعالم أو مفكر أعمل عقله وفكره فى ما لايجوز تغييره أو العبث به، وكلنا يعرف المنقول من فقه العالم الربانى الشافعى فى حالتيه، فالفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان، وهنا تكمن مرونة الإسلام وشريعته. أما صاحبنا البنا فهو يرى أنَّه لا مانع أن يكون العقل حاكماً على القضايا الدينيَّة والشرعيَّة! هكذا يقول دائما ويكتب، ونحن بدورنا لا ننكر أن يكون للعقل دور فى بلورة الأفكار، ولكن النص القرآنى أو النبوى هو الذى يحكم على ما يخرجه العقل، فالحكم يكون مقدَّماً لشريعة الإسلام على عقل الإنسان، وليس العكس، وجميل هنا هذا التساؤل الذى وضعه خباب الحمد بن مروان «ثمَّ لو تحاكمنا للعقل فلأى عقل نتحاكم ونحتكم؟ أإلى عقلك يا (جمال)؟ إنَّ العقول مختلفة، والآراء بعدها ستكون متضاربة، وإنَّ أفضل حل أن نجعل الوحى والنقل هو الحكم على اختيارات العقل».

صاحبنا المفكر (جمال البنَّا) يدعو لتنحية السنَّة والاحتكام بما فيها إلى الصريح من القرآن! وليسمح لى القراء الأعزاء أن أنقل ها هنا -نصا- ما كتبه ابن مروان فى هذا الصدد لسببين: حسن تعبيره، وموافقتى عليه:

»ومعنى هذا، أى حديث لم يأتِ عليه دليل من كتاب الله فليضرب به عرض الحائط، ولا يستدلَّ به، وكلامه فى هذا المجال يشبه قول القرآنيين الذين نسبوا أنفسهم إلى القرآن وقالوا لا نأخذ إلا به وأنكروا السنة، وقد كفرهم الأزهر وغيره من المؤسسات الدينية فى دعواهم الأخذ بكتاب الله وترك الاحتجاج بكتب السنَّة.

وهو بهذا يبطل الآيات والأحاديث التى جاءت بالأمر بالأخذ بالأحاديث؛ لأنَّها وحى يوحى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر: 7) ومن الآيات التى تدلُّ على أنّ السنة وحى قول الله عزَّ وجل: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَاب وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِى ضَلالٍ مُبِينٍ) (آل عمران: 164).

وقد أخرج الإمام البخارى عن عبدالله بن مسعود قال: «لعن الله الواشمات والمتوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله» فبلغ ذلك امرأة من بنى أسد يقال لها: أم يعقوب، فجاءت فقالت: إنه بلغنى أنك لعنت كيت وكيت! فقال: وما لى لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هو فى كتاب الله؟ فقالت: لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول، قال: لئن كنت قرأتِه لقد وجدتِه؛ أما قرأت: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}؟ قالت: بلى، قال: فإنه قد نهى عنه. أخرجه البخارى فى صحيحه برقم (4886).

وفى هذا الحديث دليل واضح أنَّ الصحابة رضوان الله عليهم فهموا أنَّ السنَّة شارحة للقرآن ومبيِّنة له، استنباطاً منه وأخذاً بقوله تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا). أخرجه البخارى فى صحيحه.

وأخرج الإمام أحمد وأبو داود بسند صحيح عن المقدام بن معديكرب: «ألا إنى أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ! ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله» سنن أبى داود (4604).

ورحم الله الإمام الشافعى إذ يقول: «فذكر الكتاب وهو القرآن، وذكر الحكمة فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة، سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم» الرسالة للشافعى: ص78.

فكل هذه الآيات والأحاديث والآثار ترد على (جمال) الذى لا يرى أنَّ أحاديث السنَّة الثابتة عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم «حجَّة يلزم الأخذ بها وتصديقها، إلاَّ الأحاديث التى جاءت بما جاء به كتاب الله، ولم تضف شيئاً جديداً!».

ولم يزل للحديث بقية..





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة