قد أكون من أولئك الذين يهرعون إلى ترديد النشيد الوطنى المصرى فور سماعه، وربما أصبح ترديده أو الاستماع له طقساً خاصاً لدى أولئك العاطفيين الذين لا يزالون يتيهون ولهاً وعشقاً بحب مصر العظيمة. ولكم كنت أخشى أن نتناسى طقس احتفالنا الشخصى بذكرى تحرير الأرض التى ننعم بالعيش عليها فى ظل هوس الاهتمام الإعلامى والجماهيرى بقضايا متنوعة فرضت نفسها بقوة وقمع على ساحة الشارع المصرى، أقصد أزمة الكتب الخارجية، وملحمة الانتخابات البرلمانية المقبلة، والعلاج على نفقة الدولة، وزيادة أسعار الفاكهة والخضروات لأننا باختصار لا نزرع شيئاً، وأخيراً استعدادات المنتخب الكروى بمباراة النيجر المقبلة فى تصفيات القارة الأفريقية التى تتآمر بعض دولها على حجب مياه نهر النيل الخالد عنها.
إن نصر أكتوبر هو الملحمة الحقيقية لهذا الشعب العظيم، والمفخرة التى من حقنا أن نتباهى بها، بل ولنا مجمل الحق فى دفن معظم همومنا الحياتية اليومية المكررة وأزماتنا فى هذا الانتصار المجيد الذى أعاد للأمة كرامتها المسلوبة فى عهد مضى وليته لا يرجع ثانية.
وكم افتخر ويفتخر جيلى بأننا ولدنا فى أعقاب هذا الانتصار الكبير، الذى رسم فيه المقاتل المصرى أروع وأجمل وأعمق لوحة فى سجل المعارك الحربية، والأجمل حقاً أن نتذكر هذا الجندى البسيط الذى انضم للجيش فى فترة بالغة الصعوبة وشديدة التعقيد الاستراتيجى، فلربما لم يتخيل أنه سيكون علماً من أعلام التاريخ العسكرى، وأنه سيطر وزملاؤه أجمل قصة ممكنة ومحققة فى سجل بطولاتنا المجيدة التى انتصرنا فيها على المتربصين بهذا الوطن العبقرى.
علينا أن نستعيد روح أكتوبر فى كافة أعمالنا اليومية، بدءاً من الاستيقاظ صباحاً حتى الخلود إلى نومنا ليلاً مروراً بالأعمال الحياتية من عمل ومهام اجتماعية، فإن الروح العظيمة التى سادت فى أجواء حرب أكتوبر فى ساحة القتال وخارجها كفيلة بتحقيق رقى هذه الأمة ونهضتها. ولقد يظن البعض ولا أحسب الكثيرين أن الحديث عن ذكرى انتصارنا العسكرى الكبير فى أكتوبر 1973 أصبح مادة مستهلكة معادة، ولكن هذه الحرب الشرسة التى خاضها آباؤنا وإخواننا ضد العدو الصهيونى المتغطرس مليئة بالأسرار والتفاصيل والحكايا العجيبة التى من باب أولى أن نضعها فى كتاب يدرسه طلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية فى مصر.
قصص وبطولات هؤلاء الرجال الذين صنعوا مجدهم ومجد وطنهم بكلمة الله أكبر تهز الصدور وتنطلق من الأفواه مخترقة رمال سيناء الجميلة التى غبنا عنها لكنها لم تغب عنا يوماً واحداً، وليس من باب الاستعارات البلاغية أن الدم والرمل يجرى بعروقنا، وهنا لا نستطيع أن نردد قول الشاعر وكم بمصر من المضحكات ضحك فيها كالبكاء، بل لنا أن نتفاخر جميعاً ونردد كلمة الرائع الراحل محمد أنور السادات بطل الملحمة وصانعها أصبح لدينا درع وسيف.
إن الذين يحاولون أن يجهضوا احتفالاتنا بنصر أكتوبر بقضايا فرعية وخيمة على القلب والرئة والمفاصل لهم من أعداء الوطن الحقيقيين، وهم الذين يرضعون دولارات خضراء بقصد هدم هذه الروح التى نتمنى أن تسود وتحيا، فتراهم وسط الابتهاج بأننا نعيش فى سلام وأمن واطمئنان يهرعون بطبولهم يقرعون الآذان بقصص عن مقتل شخص بالطريق والتمثيل بجثته والحكاية غير حقيقية، وآخر لم يجد فرصة سانحة سوى يوم السادس من أكتوبر حتى يفجر موضوعاته الطائفية التى تزيد من الأمر احتقاناً، وصحف لا ترصد حالة الانتصار المدوى وتراها تتناول خبر إقالة إبراهيم عيسى رئيس تحرير الدستور بكثير من الجدية والخطورة، رغم أن هذا الشعب من حقه أن يلتقط أنفاسه ليعى دلالة هذا الانتصار النفسى والعسكرى العظيم.
وعلينا أن نسترجع وقائع الاحتفال بالنصر العظيم فى قاعة مجلس الشعب حينما أعلن الرئيس الراحل السادات ـ بطل الحرب والسلام والذى اغتالته أياد لا تفطن ولا تعى ما فعلته برجل امتزج دمه بتراب الوطن ـ انتصارنا وعبورنا خط بارليف المنيع وسحق العدو فى ست ساعات وتحيته لقادة الأسلحة المشاركة فى الملحمة العسكرية.
تحية عطرة لرجالات القوات المسلحة البواسل الذين خاضوا حرباً لنحيا نحن فى أمن واستقرار وأمان، وتحية واحتراماً لقواتنا المسلحة المرابطين على حدودنا العتيقة، ومبارك علينا النصر والاحتفال.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة