محمد الدسوقى رشدى يكتب حكايات أمريكية: المصريون يطعمون الأمريكان وشباب كفر الدوار يحتلون أهم شوارع نيويورك

الخميس، 07 أكتوبر 2010 08:21 م
محمد الدسوقى رشدى يكتب حكايات أمريكية: المصريون يطعمون الأمريكان وشباب كفر الدوار يحتلون أهم شوارع نيويورك أمام "الجروند زيرو" وفى الخلف أعمال برج الحرية الجديد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄◄ كيف ترى جماعات الضغط الأمريكية تحركات مصر السياسية والدبلوماسية فى واشنطن
◄◄ السفير اليمنى يتفوق على المصرى.. وقوة اللوبى الصهيونى فى كروت المعايدة وبوكيهات الورد


قلت لكم فى مقدمة الحلقة الماضية إن ما أكتبه من تفاصيل لتلك الرحلة التى استمرت 21 يوماً فى 5 ولايات أمريكية مختلفة لم يكن مبنيا على أرضية انبهار بالغرب وأشيائه وبالطبع لم يأت على خلفية تلك الصدمة الحضارية المعتاد حدوثها فى مثل هذه الظروف، بعضكم لم يصدقنى وأرسل يعاتبنى ويبدى غضبه من سقوطى فى فخ الانبهار.

حسنا ياعزيزى سوف أعترف لك.. لقد سقطت فى الفخ وأصابنى الانبهار، ولكن هل تريد الحقيقة كاملة أم تريد نصفها فقط؟! إذا كنت من عشاق الحقيقة الكاملة فدعنى أخبرك أن انبهارى لم يكن بالأرض الأمريكية فجيلنا الذى يشاهد من أفلام هوليود الكثير والكثير لا يمكن أن ينبهر أبدا بأمريكا حينما ينزل إلى أرضها.. ومع ذلك دعنى أخبرك أن الانبهار الذى تتهمنى بالسقوط فى فخه لم يكن مصدره الولايات المتحدة الأمريكية بقدر ماكان مصدره مصر.. نعم ياعزيزى لقد انبهرت بقدرتنا العظيمة فى مصر على إهانة بلدنا وإهانة حضارتنا وإهانة أنفسنا.. لقد انبهرت بقدرتنا العجيبة على النفاق وعدم احترام المواعيد والغش.. انبهرت بقدرتنا الرهيبة على تأليف وتلحين وغناء المئات من أغانى عشق الوطن بينما نحن أول من نطعن الوطن فى شرفه وفى كرامته وفى قدرته على التقدم والنهوض.. هذا هو مصدر الانبهار ياعزيزى وإن لم يصلك بعض اليقين من كلامى فتفضل اقرأ السطور القادمة التى تحمل بعضا من باقى تفاصيل الرحلة فى نيويورك وواشنطن وفرجينيا وميرلاند، ودعنى قبل أن تنشغل بالقراءة أستغل وجودك لأتوجه بالشكر العلنى إلى السيدة رانيا السيد مسؤولة المكتب الثقافى فى السفارة الأمريكية على صبرها وهدوئها..

المحطة الثالثة
عبدالباسط حمودة يغنى على الأرصفة.. والوجه الآخر لدعوات حرق القرآن ومسجد الجرواند زيرو.. والشيشة التى أصبحت رمز الغزو العربى لبروكلين ومنهاتن!

ربما أكون المجنون الوحيد الذى لم يقع فى هوى نيويورك هكذا وصفونى، صحيح أننى عشقت الحديقة العظيمة «سنترال بارك» وشاطئ بحيرتها الصناعية الذى حولته الفتيات فى صباح مشمس إلى ديفليه لأجمل أنواع المايوهات البكينى والقوائم الرشيقة دون أن يتعرضن لغلاسة مار أو فذلكة شاب يرى فى نفسه دنجوان كما يفعل شباب مصر مع المحجبات والمنتقبات على كورنيش النيل، وصحيح أننى انبهرت بمسارح برودواى «Broadway» وارتبكت مشاعرى وأنا أشاهد الإتقان والإبهار والروعة والإعجاز فى مسرحية «Lion King» ومسرحية «Mamma Mia» وعرفت معنى آخر للمسرح وللفن عموماً، وصحيح أيضاً أننى اندمجت مع صخب وإثارة التايم سكوير، واحتار ذهنى فى تفسير قدرة تلك المدينة العجيبة على صهر كل هذه الجنسيات فى قلب شوارعها لدرجة جعلتنى أعود وأراجع نفسى بشأن تلك الأكلشيهات التى أجبرونا على حفظها منذ صغرنا حول التعايش ومصر صاحبة الحضن المفتوح للجميع، خصوصاً أن كل ذلك تزامن مع الأخبار التى ترد من القاهرة عن المشاحنات الطائفية وعدم قدرة جمهور الأهلى والزمالك على التوافق.

كل هذه التفاصيل التى وجدتها فى نيويورك لم تدفعنى للسقوط فى هواها كما قلت، وهو أمر اعتبره المرافقون لى فى الرحلة سواء من العرب أو من وزارة الخارجية الأمريكية فريدا من نوعه وحالة جنون شاذة.. كيف لم تحب نيويورك؟ لم أملك إجابة واضحة على هذا السؤال غير ذلك اليقين الذى يؤكد لى أننى قد أسعد بزيارة نيويورك لأيام ولكن بكل تأكيد لن أكون سعيداً إن عشت فيها، ربما لأنها ذكرتنى بالقاهرة وصخبها وزحامها وشوارعها وصدمتنى بالحقيقة القائلة بأن المشكلة فينا نحن أهل مصر وسكانها وليست فى المكان، لأن الأماكن لا تصنع الزحام مهما كانت ضيقة، والزحام لا يصنع الفوضى، والفوضى بالضرورة لا ينتج عنها مدينة قذرة وشوارع غير نظيفة، وسرعة الإيقاع لا تعنى بالضرورة ارتباك البشر وتحولهم إلى وحوش أرواحها فى مناخيرها مثلما يحدث فى القاهرة ولم أره يحدث فى نيويورك.

عموما هذا مافعلته بى نيويورك.. فاجأتنى وصدمتنى وأدهشتنى، وهل أملك شيئاً غير الدهشة قد أفعله حينما أسمع صوت عبدالباسط حمودة ورمضان البرنس بيجلجل فى أهم شوارع نيويورك تجارياً وسياحياً المعروف باسم فيفث أفنيو «Fifth Avenue» هذه الأصوات لا نسمعها فى مصر إلا فى التوك توك أو ميكروباص بولاق وإمبابة.. ما الذى جاء بها إلى أهم الشوارع فى قلب نيويورك؟ إنه الغزو الثقافى المصرى ياسادة، يمكنك أن تلحظه ببساطة حينما تسير فى ذلك الشارع وجميع الشوارع المتقاطعة معه حتى الميدان الشهير التايم سكوير عربات طعام تبيع السجق والشيش كباب والشاورمة والطعمية وكل ماهو معروف لك من سندوتشات فى مصر.. إنه احتلال مصرى بجد، فحينما ترى المئات من شباب كفر الدوار وبنها يسيطرون على أهم شارع فى نيويورك ويطعمون أهله والمارين فيه، فلا شىء آخر سوى الاحتلال يمكن أن نصف به هذا المشهد، أغلب هذه العربات يملكها شخص واحد من كفر الدوار كان له السبق فى الهجرة وأغلب هؤلاء الشباب جاءوا إلى نيويورك عبر «اللوترى» أو نظام الهجرة غير العشوائية، العربات مرخصة ويعتبرها عمدة نيويورك «بلومبيرج» مصدرا هاما للدخل لأن العربة الواحدة حسب كلامه تدفع حوالى 200 ألف دولار ضرائب ورسوما إدارية فى السنة الواحدة، طبعاً أغلب الشباب العاملين على تلك العربات خريجو جامعات وبعضهم يحمل شهادة الماجستير وبعضهم مقيم بشكل دائم ولا يفكر فى العودة بعد أن أحضر أهله، والبعض الآخر يعيش متأرجحاً بين هنا وهناك يعمل ثلاثة شهور ويأخذ مثلهم إجازة فى مصر وهكذا.. ولكن كلهم اتفقوا على أن العمل على عربية طعام فى نيويورك أفضل مادياً وآدميا مما كان يحدث لهم ومعهم فى مصر.

وإذا كان العالم يغزو بعضه الآن بالثقافة والأفكار أو الفن أو الاقتصاد فلك أن تفتخر بأن العرب أكلوا عقل الأمريكان بذلك الاختراع المعروف باسم الشيشة، فى كل ركن وكل شارع فى نيويوك حتما ستجد مقهى عربيا يمنيا أو مصريا أو لبنانيا أو عراقيا، وبخلاف ما تشاهده فى الأفلام من تجمع العرب فى تلك المقاهى أمام الدومينو والشيشة ستجد تجمعات أمريكية تتعامل مع الشيشة وكأنها اختراع فضائى، الكل فى نيويورك مجنون بهذا الاختراع يجلس الأمريكان حول الحجر الواحد بالثلاثة أو الأربعة فى المرات الأولى وبعد ذلك يأخذ كل واحد فيهم حبوب الشجاعة وينفرد مع شيشته وحجره الخاص، وطبعاً لابد أن أخبرك أن المعسل وأدوات الشيشة هى نفسها الموجودة فى مقاهى وسط البلد والهرم والحسين بس الفرق الوحيد أن أفخم حجر شيشة فى تلك الأماكن لا يتعدى خمسة جنيهات أو حتى عشرة بينما فى نيويورك أقل سعر هو 15 دولارا للحجر الواحد.

هل كنت محظوظاً حقاً بتواجدى المنفرد كصحفى مصرى فى نيويورك أثناء ذكرى الحادى عشر من سبتمبر واشتعال معركة حرق القرآن وبناء مسجد الجرواند زيرو؟
فى بداية الأمر لم تعجبنى فكرة وجودى المنفرد لأننى وجدت نفسى مضطرا للحديث عن صورة من أرض الواقع تختلف تماماً عما تناولته أغلب وسائل الإعلام المصرية والعربية فى الأيام التى سبقت وتلت ذكرى 11 سبتمبر وردود الأفعال حول إنشاء مسجد فى منطقة انهيار البرجين أو على بعد شارع واحد منها، إن شئنا الدقة، تابعت بتركيز ما تناولته الصحف والمواقع والفضائيات العربية بخصوص الأمر ووجدت خطاً عاماً ينقل للناس فى بيوتها صورة واحدة تقول إن الأمريكان هبوا عن بكرة أبيهم لحرق القرآن وسب الإسلام والتظاهر ضد المسجد، خط إعلامى واحد يداعب مشاعر المسلمين والعرب ويصور لهم الإسلام كأنه جثة ممددة ينهشها الأمريكان فى منطقة الجرواند زيرو.. خط إعلامى واحد رأيته متطرفا وغير أمين فى نقل الحديث، ورأيته عاطفيا وشعبيا لصحف وفضائيات لا تجد ما تنشره أو تبثه، وبالإضافة إلى هذا وذاك رأيته جاهلاً بحقيقة ما جرى فى منطقة الجرواند زيرو أو نيويورك عموما يوم ذكرى الحادى عشر من سبتمبر أو الأيام التى سبقتها.

راجعت شريط ذاكرتى وعدت للصور التى التقطتها ودققت فيما كتبته من وقائع وسجلته من أحداث طوال ساعات تواجدى فى منطقة انهيار البرجين يوم السبت الذى وافق ذكرى الحادى عشر من سبتمبر ويوم الجمعة الذى وافق احتفال المسلمين بالعيد وصلاته ولم أجد لأغلب ما قرأته فى مواقع الصحف العربية والمصرية أصلاً أو وجوداً، حتى تلك الظواهر التى ضخمها الإعلام العربى مثل دعوة جونز لحرق القرآن وقيام القس المجهول ومعه 7 أفراد بحرق أجزاء من الصحف فى إحدى مناطق ولاية تكساس لم تجد أى رد فعل هنا فى نيويورك اللهم إلا الاستياء من هذه التصرفات ومن المحطات الأمريكية التى أعطت هذه القلة المجهولة شهرة بلا حساب وأهمية بلا سبب.. هكذا أخبرنى عمدة نيويورك «مايكل بلومبيرج» قال بوضوح إن مسألة حرق القرآن هى خطأ وسائل الإعلام التى ضخمت من دعوة قس غير معروف لم يهتم بها سوى عدد من الأشخاص لا يمكن عدهم على أصابع اليد، وبعد ساعات من كلام الرجل ظهر على شاشات التليفزيون ليؤكد نفس الكلام ليفتح بكلماته جدلاً كبيراً انشغلت به المحطات مثل فوكس والصحف مثل يو إس توداى حول مدى مسؤولية الإعلام الأمريكى عن إشعال أجواء ذكرى 11 سبتمبر بالتركيز على تلك الدعوات الصادرة من أشخاص وصفوهم بالجنون وحب الشهرة وعدم القدرة على وضع الأمور فى نصابها.

صدقنى أنا لا أدافع عن الأمريكان إن قلت لك إن الإعلام فى الوطن العربى لم ينقل لك من الصورة ومن الأحداث إلا أجزاء أغلبها غير مكتمل، ولا يمكن أن يمنحك فرصة تكوين صورة واضحة وطبيعية عما جرى فى نيويورك خلال ذكرى الحادى عشر من سبتمبر، فإذا كانت وسائل الإعلام العربية قد نقلت لكم تحذيرات من تواجد المسلمين فى المنطقة والمظاهرات التى ترفض بناء المسجد، فأنا شاهدت الجانب الآخر من الصورة وجلست بجوار الشيخ يوسف ذلك الكهل المسلم صاحب الأصول الأفريقية الذى افترش الأرض فى منطقة «الجرواند زيرو» وفتح مصحفه وأخذ يتلو منه ما تيسر من آيات الذكر الحكيم وقرأ نصف القرآن تقريبا من الصباح حتى وقت المغرب رافعا بجواره لافتة تطلب من لديه أى استفسار أو سؤال عن القرآن أن يسأله بلا تردد مع وعد بأن يجيب بكل صدق، وشاهدت شبابا زى الورد طبع نسخاً من كتيب صغير يحمل تفسيرات وشروحاً لبعض الآيات فى القرآن ويوزعها على الأمريكان فى الشوارع تحت شعار «اقرأ أولاً ثم قرر إذا كنت ستشارك فى الحرق أم لا» ومثلما رأيت الشيخ يوسف ورأيت هؤلاء الشباب رأيت أصواتا وهتافات صادرة من أمريكان مسلمين وغير مسلمين تؤيد إقامة المسجد وتعتبره حقا مشروعا ومن بينهم بعض أهالى ضحايا الحادى عشر من سبتمبر والذين أسسوا رابطة اسمها «عائلات ضحايا 11سبتمبر من أجل مستقبل أكثر سلاماً»، وقبل أن أرى هذا وذاك كنت قد سمعت عمدة نيويورك وأغلب أعضاء البلدية وهم يعودون للتأكيد بكل شجاعة على تأييدهم لإقامة المسجد لأن نيويورك لن تفتخر يوماً ما أنها منعت أحدا من العبادة أياً كان دينه.. كل هذا وأكثر منه كان موجوداً عزيزى القارئ ولكن الصحف العربية والمصرية اكتفت بحدوتة القس جونز والقس فيلبس والمتطرف الهولندى فيلدرز متجاهلين أى إشارة للمجهود الكبير الذى يبذله مسلمو أمريكا للقضاء على هذه الظواهر وتحويلها إلى مصلحة الإسلام.

وبخلاف المسجد والقرآن والمظاهرات كان الشىء الأهم الذى سيطر على أجواء 11 سبتمبر 2010 هو الخرافات التى انشغل بها الأمريكان حول نهاية العالم ورسالة السماء التى تجلت فى هيئة الصليب الذى سقط من البرجين والكنيسة المقدسة التى لم يمسسها غبار سقوط البرجين والذى غطى نصف نيويورك ولم يقترب من الكنيسة المقابلة له تماماً، وزوار الفضاء الذين هدموا البرجين كرسالة إنذار للأرض، وغيرها وغيرها من التفاصيل الغريبة التى لم يقض عليها سوى تلك الورود التى ملأت المكان والعلم الأمريكى الذى أصبح أهم بالنسبة لأهله مما كان عليه قبل أحداث 11 سبتمبر.

المحطة الرابعة
تفسير حقيقى لنجاح اللوبى اليهودى، ولماذا تفوق السفير اليمنى على أقرانه العرب فى واشنطن؟ وحدوتة السفير المصرى مع الكونجرس والمعونة
مثلما اتهمنى البعض بالجنون بسبب عدم انبهارى بنيويورك وعدم السقوط فى هواها، اتهمونى بالجنون والغرابة حينما قلت إننى وقعت فى هوى واشنطن دى سى، وهل يمكن أن أمر على عاصمة بهذا الجمال والهدوء والنظام دون أن أقع فى حبها؟ فى واشنطن كل شىء موجود أصالة الماضى القريب الواضحة فى المبانى والمعمار، وإثارة السياسة بكل ما تحتويه العاصمة الصغيرة من أهم جدران يتم طبخ أهم القرارات بداخلها، بداية من البيت الأبيض والبنتاجون والكونجرس وانتهاءً بسفارات الدول المختلفة.

فى واشنطن أيضاً أدركت أن أى محاولة مصرية لاحتكار شعار بلد الأمن والأمان والطيبة وحفاوة الاستقبال فيه كثير من الظلم والتزوير لبلدان مختلفة فى العالم، وفيه تزييف لكثير من الحقائق، ففى واشنطن والولايات الأمريكية كلها أنظمة حريق يمكنها أن تحمى السكان والعمال من كوارث محققة، أما القاهرة وبقية المحافظات فلا يتوافر بها ذلك، فى واشنطن ومختلف الولايات والدول الأوربية يمكنك أن تعبر الشارع والإشارة حمراء دون أن تخشى على نفسك من سيارة طائشة، أما فى القاهرة فلا توجد إشارات حمراء أو خضراء أصلاً وإن وجدت فلا يلتزم بها أحد وبذلك تنتفى شروط الأمن والأمان من القاهرة وتتحقق فى واشنطن.
فى واشنطن أيضاً يمكنك أن تقابل المسؤولين بسهولة، ويمكنك أن تسأل ما تريده من أسئلة دون اتفاقات مسبقة أو خوف من ردود فعل مجهولة، فى واشنطن يمكنك أن تهاجم وتنتقد بلا حساب، ويمكنك أن تعترض بحرية ويمكنك أيضاً أن تحصل على إجابات كثيرة لأسئلتك أو اعتذار بعدم الاختصاص للإجابة عن السؤال أو عدم المعرفة هكذا بكل صراحة ووضوح دون لف أو دوران أو ألاعيب الحاوى وفنون الكذب التى يتقنها السادة المسؤولون فى القاهرة وبقية البلدان العربية.

فى واشنطن سألت «كيلى أرينا» الصحفية الشهيرة صاحبة إيمى أوورد وصاحبة أشهر التغطيات على شاشة cnn عن سر تفوق اللوبى اليهودى «إيباك» وقوته فى الولايات المتحدة وعدم قدرة العرب والمسلمين على صناعة منظمة ضغط فى حجم «إيباك»؟
كيلى لم تعطنى إجابة واضحة وصريحة فقط تحدثت عن قدرتهم على التنظيم وقدرتنا الرائعة على الاختلاف، قالتها بسخرية كنت مجبراً على تقبلها لأنها حقيقة، ولكن فى منظمة «venable» وهى مؤسسة أو جماعة ضغط معروفة وشهيرة وتقدم استشاراتها وتعمل كوكيل لعديد من الدول أو الكيانات الكبرى التى لها مصالح فى الولايات المتحدة، وفى جلسة طويلة مع مديرها «Michael Ferrell» حصلت على كثير من التفاصيل التى شكلت فيما بعد إجابة واضحة وسهلة على السؤال الذى طرحته على «كيلى أرينا» وعلى كل مسؤول أمريكى قابلته فى واشنطن ونيويورك.

مايكل كان صريحاً وواضحاً ومرحاً وقاسياً فى وصفه لحال العرب فى بعض الأوقات، طبيعة عمله كانت واضحة بالنسبة لى فهو رجل قادر على تشبيك المصالح ويملك قدرا لا بأس به من العلاقات والخطط والطرق التى تمكنه من تحقيق أهداف عملائه سواء كانوا من الدول أو الشركات الكبرى عبر الضغط على المؤسسات والمنظمات والإعلام، سألته عما إذا كان قد سبق أن تعاون مع دول عربية وفى أى قرارات أو قضايا منحنى الإجابة ولكنه طلب ألا تكون للنشر، ولكنه فى نفس الوقت عاد وأكد على أن الدول العربية عموماً لم تؤمن بشكل حقيقى بجماعات الضغط وهذا هو السبب الحقيقى فى عدم قدرتها على صناعة لوبى قوى داخل الولايات المتحدة بخلاف سبب أهم قاله «مايكل» وهو عدم إدراك الدول العربية لضرورة اتخاذ أحد الخيارين، إما أن يتحركوا ككتلة واحدة تدرك أن مصالحها واحدة أو تتحرك كل دولة منها بشكل مستقل دون أن تفكر فى الأخرى أو دون أن يعيقها أى من شوائب التاريخ والوحدة والأمة العربية وغيرها من المصطلحات.

«مايكل» ذلك الرجل الستينى النشيط بدأ يفسر لى سر تفوق اللوبى اليهودى فى واشنطن وقال: فى البداية يجب أن تؤمن أن «إيباك» جماعة ضغط قوية نعم، ولكنها لا تملك ذلك النفوذ الذى تتحدثون عنه فى الدول العربية، أنتم تمنحونها أكبر من حجمها بكثير، ثم أضاف الرجل قائلاً: «مشكلة العرب أنهم يظنون أن جماعات الضغط عبارة عن إنفاق أموال كثيرة ويظنون أن اللوبى اليهودى قوى لهذا السبب وهو فهم خطأ تماما، «إيباك» ناجحة لأنها تملك القدرة على الاستمرار وتملك الإصرار والتصميم والشغف بجانب المال والنظام، فهى منظمة لدرجة أنها لا تترك كاتبا أو مذيعا أو مسؤولا إلا ويصله منها إيميل أو رسالة شكر أو تهنئة على مقال جيد أو تصرف محترم، «إيباك» لا تترك مناسبة لسيناتور سواء كانت فرحا أو حزنا إلا وهنأته ووقفت بجواره، لا تترك أى ناجح فى انتخابات حتى لو كانت انتخابات بلدية صغيرة إلا وهنأته بنجاحه، وهى بتلك التصرفات تقدم بطاقة تعريفها للجميع وحين يحين وقت حاجتها لواحد من هؤلاء تكون قد قطعت نصف المسافة من قبل، يكون قد عرفها جيداً، ولا تحتاج هى إلى تضييع الوقت فى تعريف نفسها، «إيباك» تفعل كل ذلك وأنتم لا تفعلون.. تنفقون الأموال تلقون الملايين فى أيدى السفراء أو جماعات الضغط أو على شكل هدايا ثم تتخيلون أن الأمر قد انتهى لصالحكم، تتحركون أثناء الحدث أو أثناء توابعه بينما إيباك أو اللوبى اليهودى يتحرك قبل أن يحدث بمراحل».. هذا هو الفرق الجوهرى الذى حدده «مايكل» وهو للأسف فرق بسيط أدركه حسب كلام «مايكل» سفير عربى واحد هو السفير اليمنى الذى يرى مايكل أنه بدأ بالتحرك وإنشاء شبكة علاقات محترمة مستخدما تلك الطريقة فى التواصل وهو أمر جلب للرجل احتراماً فى الأوساط الأمريكية على عكس مايحدث مع سفير مصر وسفير أمريكا اللذين يتحركان ببطء ويؤمنان بنظرية التاريخ وحجم الدولة وإنفاق المال وفقط، مايكل عاد وتحدث عن السفير المصرى ووصف تحركاته بالعادية أثناء أزمة المعونة داخل الكونجرس وقال إن الرجل تغاضى عن الزمن وعما يحدث وتخيل أن استقدام عدد من المثقفين المصريين لشرح وجهة النظر المصرية لبعض من الشيوخ أو المنظمات وإنفاق بعض الأموال أمر كفيل بإنهاء مهمته وغسل يديه منها، وهو أمر يدل على عدم الاهتمام وعدم الإدراك العربى لكيفية سير الأمور فى واشنطن أو فى العالم أجمع. الكلام عن مصر لم يتوقف عند السفير واللوبى بل امتد مع مسؤولين آخرين حول دور مصر فى المفاوضات ومستقبل الانتخابات القادمة، وغيرها من التفاصيل التى كسر حاجز الكلام عنها تلك الصورة التى فبركتها الأهرام للرئيس مبارك، صدى الصورة وتأثيرها هنا ربما كان أقوى مما حدث فى مصر فإذا كان الأمر توقف عند حد السخرية فى الفيس بوك فإنه فى أمريكا وصل إلى حد التشكيك فى المنظومة الإعلامية المصرية كلها، واتفق جميعهم على أن الانطباع الجيد الذى تركه الرئيس مبارك فى المفاوضات الأخيرة تأثر كثيراً بتلك الصورة التى حولت مصر إلى نكتة، وزرعت شعوراً بالخجل والكسوف لازمنى فى كل مكتب، وكل مؤسسة زرتها لا يمكنك أن تتخيله، ولا يمكننى أيضا أن أصف لك شعور طأطأة الرأس وانكسارها حينما يأتى الناس على ذكر الموضوع لأنه شعور أفظع مما تتخيل.








مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة