شريف حافظ

بين صوفى شول وتراودل يونجه: رسالة وعى للشباب

الإثنين، 04 أكتوبر 2010 07:13 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يوجد بيننا من يرى الظلم والقهر والغدر والفساد والتجهيل والفقر والمرض، فيصمت، ثم يتكلم عند انقشاع الغُمة، وظهور كل هذا فى العلن باعتراف السلطة ذاتها فى زمن مُغاير، مُبرراً صمته فى الماضى، بأنه كان صغيراً، غير مُدرك، حينما حل كل هذا. وكنت أظُن هذا أيضاً إلى أن قرأت وشاهدت ما غير قناعتى تلك، لأجد أن صغر السن، ليس مُبرراً مقبولاً للاعتذار بالجهل والتفريق ما بين الخطأ والصواب. إن من أثبت لى جهلى هنا، هما فتاتان ألمانيتان من زمن الرايخ الثالث تحت مظلة حُكم أدولف هتلر، إحداهما تعللت بالجهل فمضت تؤيد القهر ثم اعترفت بأنه كان خطأً حين كان الجميع يقول بذلك، والأخرى قالت كلمتها عالية، فى وجه الشمولية وإذلال الإنسان، فتلقت عقوبة الإعدام، إلا أن الزمن أقام من الأخيرة بطلة قومية ومن الأولى ذكرى مهمة للأجيال، حتى لا يُكرر الشعب الألمانى خطأً كلفه أرواح الملايين.

كان الأمر كله، بالنسبة لى، محض اهتمام بالتجارب السياسية الديكتاتورية، بالإضافة إلى رغبة فى تحسين لغتى الألمانية. فشاهدت فيلمين باللغة الألمانية، يُسجلان لمرحلة هتلر. كان الفيلم الأول، يحمل اسم "السقوط"Der Untergang (إنتاج 2004)، وكان يتكلم عن الآنسة تراودل يونجه Traudl Junge (عاشت ما بين 16 مارس 1920 و10 فبراير 2002)، التى كانت تعمل سكرتيرة خاصة لدى الدكتاتور الألمانى، فى آخر سنتين ونصف من حياته.

كان الفيلم يُظهر أدق التفاصيل فى تناول الرايخ الألمانى خلال سنواته الأخيرة، وكيف كان هتلر مُغيباً تماماً، لا يهمه على الإطلاق آراء جنرالاته. كان هذا السبب الرئيس وراء تفاقم هزائم ألمانيا وعدم استسلامها أو اعترافها بالأمر الواقع، عقب دمار أغلب المدن على طول خط المواجهة، إلى أن دُمرت برلين تماماً، وفقدت ألمانيا حوالى 5 ملايين ونصف من العسكر، وحوالى 3 ملايين من المواطنين المدنيين. هذا، بالإضافة إلى من قتلوا على الجبهات الأخرى فى الحرب التى بدأها أدولف هتلر بالأساس.

وفى هذا الإطار، كانت الآنسة تراودل، مؤيدة لكل تصرفات الديكتاتور، وشهدت على أفعاله، حتى ساعاته الأخيرة (30 أبريل 1945) مع بقية الجنرالات فى مخبئه وشاهدته ملفوفاً بالأغطية ومحمولاً كى تُحرق جثته بناء على وصيته، حتى لا تنال القوات المنتصرة منه. وكان من المفترض أن تتناول هى أيضاً السم، كى تموت مثلما فعل هو وزوجته إيفا براون (التى تزوجها قبل انتحاره بساعات) والدكتور جوزيف جوبلز وزير الإعلام لدى هتلر وزوجته، التى قتلت أولادهما الست، قبل أن تنتحر مع زوجها!! إلا أن الآنسة تراودل لم تنتحر، وفضلت الحياة وكان سنها وقتها حوالى 25 سنة!

أما الفيلم الثاني، فكان "صوفى شول: الأيام الأخيرة Sophie Scholl – Die letzten Tage" (إنتاج فبراير 2005)، وكان الفيلم يناقش فكرة مُعارضة صوفى شول (عاشت ما بين 9 مايو 1921 و22 فبراير 1943) وأخيها هانز شول، للحرب التى تخوضها ألمانيا ضد الدول الأوروبية الأخرى، وما أدت إليه تلك الحرب من هزيمة ألمانيا فى مدينة ستالينجراد (تغير اسمها إلى فولجوجراد منذ 1961) ما بين 17 يوليو 1942 و2 فبراير 1943، حيث قُتل فيها على الأقل 750 ألف جندى من الجانب الألمانى، وكانت تعبير عن مذلة لا يُمكن الاستهانة بها. وقد وزعت هى وأخيها هانز، بالاشتراك مع صديق لديهم فى نفس عمرهما، هو طالب كلية الطب، كريستوف بروبست، يوم 18 فبراير 1943، منشورات على الطلاب بجامعة ميونيخ، التى كانوا يدرسون بها، ضد الحرب وما آلت إليه من هزيمة لألمانيا من القوات الروسية فى الحرب غير المبررة، كما ظهر فى معركة ستالينجراد، إلا أنه تم اكتشاف أمرهم، فقُبض عليهم. وكانوا وقت اعتقالهم يعملون تحت مظلة جمعية "الوردة البيضاء die Weiße Rose" والتى كانت نشطة ضد نظام القهر النازى، ما بين عامى 1942 و22 فبراير 1943، حيث انتهت بإعدام أعضائها! فلقد نُفذ حكم الإعدام على الثلاثة المقبوض عليهم بالمقصلة يوم 22 فبراير 1943، بعد محاكمة عسكرية ديكتاتورية هزيلة، وقف فيها حتى الدفاع ضد المتهمين! كما أُعدم بقية أعضاء الجمعية، الذى كُشف عنهم اللثام، فى وقت لاحق!

وقد كان من الملفت أن يهتف كلُ من هانز شول وصوفى شول ضد القاضى وهيئة المحكمة، بأنهم سيقفان مكانهما بعد سنوات، لتتحقق النبوءة وينتحر الكثير من النازيين بدءاً من 30 أبريل 1945، عند بدء بشائر انتصارات الحلفاء، ضد قوات المحور وعلى رأسهم ألمانيا، ويُحاكم الآخرون من جنرالات النازى فى "محكمة نورمبورج Nuremberg Trials"، ما بين 20 نوفمبر 1945 و1 أكتوبر 1946!!

فى آخر فيلم "السقوط" علقت السيدة العجوز وقتها، تراودل يونجه قائلة، (من تسجيل سابق لها، حيث ماتت سنة 2002)، بالتالى:
"إن الأمور المروعة التى سمعت عنها أثناء محاكمة نورمبورج، حول قتل اليهود والمُعارضين والناس من الأعراق الأخرى، صدمتنى بشدة، إلا أننى لم أقُم بربط ذلك بالماضى الخاص بى شخصياً وقتها. لقد أكدت لنفسى بالتفكير، أننى لست مذنبة بشكل شخصى، وأننى لم أكن على علم بحجم تلك الأمور المروعة التى اقترفتها ألمانيا النازية. ولكن فى يوم ما، وبينما أنا أتمشى عبر شارع فرانس جوزيف، وعلى مقربة من التمثال التذكارى لصوفى شول، وجدت أنها كانت فى مثل سنى وقت قتلها!! وأنها أُعدمت فى السنة التى بدأت أنا فيها بالعمل مع هتلر! وفى تلك اللحظة، أدركت أن سنوات عمرى الشابة والصغيرة، لم تكُن مُبرراً للاعتذار بالجهل، وأننى كان بإمكانى أن أعرف الحقيقة!!

ومع مرور 20 عاماً، على وحدة ألمانيا، فى 3 أكتوبر 2010، يجب وأن نرفع القُبعة، لمن بنوا بلادهم، بوعى حول الحرية والإبداع ورفض القمع، مع تطوير عميق فى القيم السياسية لديهم. تحية إلى الشباب الألمانى، الذى وعى معنى احترام الآخر ودافع عن ذلك بقوة رافضاً الخضوع مرة أخرى لمن يريد الحكم باستخدام السلطة المطلقة، سواءً العسكرية أو الدينية، والتى كلفته الكثير! علنا نعى دروس العالم حولنا ونستطيع التفريق بين الخطأ والصواب، لأن الاعتذار بالجهل، يأتى بهتلر جديد!!

• أستاذ علوم سياسية





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة