د.عزازى على عزازى

ورقة من سجن العمر

السبت، 23 أكتوبر 2010 07:44 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كان فريد الأطرش يغنى لكل المصابين بعقدة الاضطهاد (عدت يا يوم مولدى، عدت يا أيها الشقى)، فتنفك عقدتهم بالغناء، خاصة مع مقطع (أنا عمر بلا شباب، وحياة بلا ربيع، اشترى العمر بالعذاب، اشتريه فمن يبيع)، واعتقد جمهور الغناء أن العندليب عبدالحليم حافظ أكثر حباً وتعلقاً بالحياة فإذا به يشدو فى ليلة عيد الربيع نفسها بأغنية (زى الهوا يا حبيبى) التى يقول فيها (طفيت الورد رميت الشمع يا حبيبى، والكلمة الحلوة ملاها الدمع يا حبيبى)، كان عود فريد الأطرش يئن تحت وقع أنامله، والأحبال الصوتية للعندليب تتأوه وتتوجع، ومع ذلك كانت مصر تعيش حالة من الحيوية والتوهج والفعالية النفسية والاجتماعية، الآن يرقص حولنا مطربو ومطربات الفيديو كليب بمنتهى المرح والخفة والجاذبية، لكن مصر تعيش حالة فريدة من الاكتئاب.. الحزن فى الحالة الأولى كان شجناً نبيلاً، والفرح فى الحالة الثانية أصبح نوعاً من المضادات الحيوية، ويعكس ذلك قدرة المصرى على التوازن والتكيف مع حالته فى السراء والضراء، لكن ما الذى جعلنى استدعى نغمات القديم والحديث؟ ربما لأن يوم مولدى على وشك القدوم ولا أدرى ماذا أنا فاعل فيه، وكنت قبل هذا العام أقيم محاكمة للذات فى هذا اليوم، تنتهى بأحكام قاسية فى سجن العمر، وجربت كثيراً فلسفة النظر إلى النصف الملىء من الكوب، لكنى اكتشفت أن الهزائم الكبرى ابتلعت الانتصارات الصغيرة والنجاحات المحددة، وتمضى المحاكمات الذاتية عاماً بعد عام أقوم فيها بكل أدوار المحكمة بمنتهى الإخلاص والدقة، عملاً بالحديث القدسى (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم) فنحن نهتم بمحاسبة الآخرين، المعارضة تحاسب الحكومة، والنخب تحاكم المسئولين، والدولة تحاسب مواطنيها، لكن قليلاً ما يحاسب المرء نفسه، وفى يوم الميلاد يكون الحساب عسيراً كأنك تمشى فوق الصراط، الذى يزداد حدة كلما مضيت فى العقد الخمسينى مثلى، أبنائى غاضبون، أصدقائى ينتقدون، زملائى فى العمل يتمردون، وأنا بالطبع غاضب ومنتقد ومتمرد على الجميع، يلازمنى شعور بالبرد يصل لحد الرعشة، الناس من حولى صورة منى أو أنا صورة منهم لا أدرى، هل أخطأ جيلى الذى ربط العام بالخاص فى حبل واحد، فصارت علة الوطن تمرضنا، وصحته تشفينا؟ أحلم بالاحتفال بشمعة التغيير بجوار شمعة الميلاد، أتمنى الحصول على إجازة لمدة يوم واحد من الغضب، وأن تنتهى محاكمتى السنوية بالبراءة ولو مرة واحدة، لكن يبدو أنها لن تتحقق إلا فى يوم الخروج من سجن العمر..
مع كل اعتذارى للقارئ الكريم حينما فرضت حالتى نفسها علىّ الكتابة.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة