حينما تحاصرنى دولة النهب والفساد والتفاهة، فأشعر بالاختناق وتعطل الحواس ووظائف الأعضاء، ساعتها ألقى بنفسى فى مصر (عمرو حلمى) بوجهها الصبوح وعافيتها النفسية ومناعتها الوطنية والإنسانية، فالعالم الكبير، الذى اصطفاه الله لاجتثاث آلام البشر وأوجاع المرضى الفقراء، كلما التقيته أو دخلت عليه عيادته وجدته يزرع الأمل، باعتباره الراعى الطبى والإنسانى لأكباد المصريين، تجده يرحب بالمريض كضيف حل ببيت كريم، يسمعه بحب واحتواء كلمة كلمة وآهة آهة. يطبق ميثاق شرف المهنة وقسم أبقراط حرفياً، تبدأ رحلته اليومية صباحاً إلى المعهد القومى لأمراض الكبد بشبين الكوم، ذلك الصرح العلمى الذى ساهم فى تأسيسه وكان عميداً له من قبل.
يعود بعدها للقاهرة ظهراً لإجراء جراحات الكبد، ثم يلتقى مرضاه وتلاميذه فى المؤسسة الطبية والإنسانية المعروفة بجمعية مصطفى محمود، وتنتهى رحلة اليوم، حيث عيادته التى ورثها عن والده الطبيب محمد حلمى إسكندر.
يرى عمرو حلمى أن للطبيب أيضاً رسالة وطنية وأخلاقية، فالمجتمع المريض لا يستطيع أن ينجز مشروعاً للنهضة، وأن دعم البحث العلمى واجب قومى لا يقل عن دعم رغيف الخبز، وأن قضايا الحرية والتغيير ومحاربة الفساد تمثل فرض عين على كل المصريين، لذلك تجده حاضراً وسط حراك التغيير واستقلال الجامعات والمناسبات الوطنية.
ينتمى عمرو حلمى للمشروع الناصرى كرفاق جيله السبعينى، أو ما يمكن تسميته (الناصرية النقدية)، تحرر الرجل من أمراض النخبة، فزهد فى الظهور وبطولات الكلام والأوراق، ونجح فى تحرير الأماكن التى يوجد فيها، تشعر فى صحبته بأنك فى مصر أخرى غير تلك التى تراها فى إشارات المرور وبرامج التوك شو، مع عمرو حلمى، ترى وجوه المرضى مفعمة بالأمل فى الشفاء، تتبادل معه حواراً علمياً، يحدثك عن أحدث نظريات الطب وآخر المؤتمرات التى حضرها، تسمع عنده طرباً أصيلاً، أو تقرأ قصة من تأليفه، تطمئن منه على صديق، تلتقى عنده بنخبة متميزة يعبرون عن محبتهم لمصر بالإنتاج والفعل الإيجابى، مع عمرو حلمى أنت فى فرح إنسانى نبيل، يزيل عنك وعثاء الواقع السياسى والاقتصادى والاجتماعى وكآبة المنظر، حينما ترى مصر التوك شو تشعر بأن أمامنا ألف عام لكى تتغير أوضاعنا المنهارة، وحينما ترى عمرو حلمى ورفاقه تشعر - بيقين راسخ - بأن أمامنا خمس دقائق فقط لكى ننتقل من الانحطاط إلى التقدم، وأتصور أن رسالة أى كاتب ليست فى نقد ومهاجمة وتعرية الفساد والمفسدين فقط، بل أيضاً فى الكشف عن الدر المكنون فى الشخصية المصرية، وإعطاء النماذج العليا والفذة حقها فى الكتابة ليعرف القارئ - اليائس - أن مصر مازالت قادرة على الحلم.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة