المستشار مجدى الجارحى يكتب: المحاكم تتأثر بالرأى العام.. وهيئة المحكمة بشر

الخميس، 14 أكتوبر 2010 08:11 م
المستشار مجدى الجارحى يكتب: المحاكم تتأثر بالرأى العام.. وهيئة المحكمة بشر المستشار مجدى الجارحى نائب رئيس مجلس الدولة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قرار المجلس الأعلى للقضاء بمنع تصوير الجلسات ليس تكشيراً عن أنياب لكنه تصحيح لأخطاء أثرت على العدالة

بداية لا يمكن إغفال أن قرار مجلس القضاء الأعلى بشأن منع تصوير وبث الجلسات عبر وسائل الإعلام لا يتناقض مطلقا مع مبدأ علنية الجلسات، فالجلسات متاحة لمن يريد من الجمهور أو الإعلام أن يتابع قضية أو جلسة فله ذلك ويسجل بالورقة والقلم ولكن بدون تسجيل فيديو أو تصوير، طالما أن مهمة الإعلام وهدفه الأول هو نقل الخبر للقارئ أو المشاهد بدون تدخل أو تقييم لأطراف المحكمة أو التعرض لتفاصيل فنية من اختصاص المحكمة وأطرافها.

لكن ما حدث للأسف، خاصة فى الفترة الأخيرة، هو تناول الإعلام أسباب الحكم، والتعرض للطعن وعرض مذكرات الطعن عبر الصحف، وتناول ردود المحكمة والمحامين وتعليقاتهم الفنية التى لا يكون لها مكان إلا المحكمة، فالتعليق على الحكم فى جميع الأحوال مخالف للقانون، لسبب واحد وهو أن مكان الطعن المحكمة، وليس وسائل الإعلام.

فما السبب من تصوير المحكمة وما يدور داخل الجلسات؟ فالأمر لا يكون بإظهار قدرات كل طرف أو المحامين، وأحيانا كثيرة يتسبب فى توتر القاضى وأعضاء المحكمة، وحدث معى هذا شخصيا، عندما كنت مفوضا فى الدائرة السابعة عليا المختصة بشؤون الأعضاء وتناولت قضايا خاصة بأعضاء الهيئة القضائية بمجلس الدولة، ومنهم الطاعنون على قرارات مجلس الدولة باستبعادهم من التعيين، وعندما كانت تبدأ الجلسات وتتزاحم الكاميرات والإعلاميون، كنت واحدا من أعضاء المحكمة أشعر بتوتر الجو العام وهذا قد يفرق من شخص لآخر.
وأود هنا الإشارة إلى أن الحديث فى قضايا أو تفاصيل قانونية يحتاج متخصصا وليس التخصص هنا أن يكون المتحدث فى الإعلام سواء الصحفى أو المذيع أو معد المادة التحريرية درس الحقوق أو القانون، لكن لابد من توافر عنصر الخبرة والممارسة، ففى كثير من القضايا لا تفرق الكلمة فقط بل الحرف يفرق كثيرا فى المعنى، خاصة لو لم يفهم مقدم البرنامج أو الصحفى المعنى الذى تعنيه المحكمة فى ردها أو فى حكمها، فالأمر لا يتعلق بموقف من الإعلام بقدر أن حتى دارس الحقوق والقانون أحيانا لا يصل للتفاصيل أو المبادئ التى تتناولها المحكمة، لأن المحكمة تنشئ مبادئ وقواعد من الممارسة لا تتم دراستها فى الجامعات.

فطالب الحقوق يدرس الخطوط العريضة والأصول وليس التفاصيل وهى التى يكتسبها القاضى من خلال تمرسه وتدرجه فى العمل ومروره بكل درجات العمل القضائى لصقل خبرته وقدراته لتأهيله لإصدار الحكم، أما الصحفى أو مقدم البرامج أو حتى بعض دارسى القانون يغيب عنهم تفاصيل فنية هامة تؤثر فى النتائج النهائية.

ولا شك أن القاضى بشر وكل إنسان يتأثر بالعوامل الخارجية وإن كانت نسبية وتختلف من شخص لآخر، لكن القاعدة تقول إن الحكم أيا كان يكون نتيجة عقيدة تكونت لدى القاضى وداخله من تعامله أو دراسته أو بحثه أو تداوله مع أعضاء المحكمة أو الأوراق التى لديه، وأحيانا تكون هناك انطباعات شخصية لدى القاضى عن القضية أو أطرافها، قد تكون العقيدة خاطئة وقد تؤثر على الحكم الصادر، فالقاضى ليس إنسانا آليا، ولكن الطريق الطبيعى للرد على ذلك هو المحكمة.

فالحكم قد يصدر مطابقا للأوراق ولكن الرأى العام قد يكون ليس لديه التفاصيل والمعرفة الكاملة بالقضية وقد تكون وسائل الإعلام هيأت الناس لحكم أو موقف آخر، لكن لا يسعنا إلا أن نؤكد أن الحكم عنوان الحقيقة حتى تثبت العكس، ومادام صدر الحكم فهو، إلى حين أن يثبت العكس، عنوان للحقيقة ولا يمكن التصريح أو التقييم لحكم القاضى إلا فى مذكرة الطعن أمام المحكمة.

وتكون الأمور أكثر حساسية عندما يتناول الإعلام الهيئة القضائية، فعندما كانت قضية تعيين المرأة قاضية فى مجلس الدولة وتناولت بعض الصحف وقتها القضية فوجدت فى أحد المقالات ما يعد قذفا علنيا لقضاة مجلس الدولة واتهامهم بألفاظ يحاسب عليها القانون، فاتصلت بالمحررة ناشرة الموضوع وأكدت لها أنه فى حال عدم اتخاذ نادى قضاة مجلس الدولة قرارا بإقامة دعوى ضد ما تم نشره سأقيم أنا الدعوى باعتبار أن ما جاء بالمقال يمس كل قاض فى مجلس الدولة وينال منه، ونشرت الصحيفة توضيحا واعتذارا فتراجعت عن القرار، ليس هذا لأن القضاة نخبة مميزة فى المجتمع أو لهم حقوق دون غيرهم، ولكن لابد من النظر للقضية من زاوية أخرى، وهى أنه من المفترض أن يكون القضاء هو الجبهة الباقية التى يجب الحفاظ عليها من كل ما يحدث فى الشارع المصرى لحماية حقوق المواطنين وتحقيق العدالة.

ولا يمكن اعتبار أن قرار المجلس الأعلى للقضاء هو بداية للحساب أو تكشير عن أنياب كما يريد البعض أن يصفه، لكنه تأكيد لمبدأ كان موجودا منذ عهود طويلة، ولكن تغافل عنه البعض وتغافلت عنه وسائل الإعلام التى لم تكن تتناول فى السابق أى شأن يخص القضاء أو يتدخل فى الأحكام القضائية بالتعليق والمناقشة أكثر من عرضه كخبر، ويحدث سباق بين الفضائيات لتناول جزئيات لم تتناوله الفضائية الأخرى وكذلك بين الصحف، مما أدى إلى أن كل ما يدور فى المحكمة سواء من أحكام أو تصرفات وسلوكيات حتى للقاضى ذاته محل نقاش عبر الفضائيات.

ولا شك أن تناول الأمر بهذه الصورة أثر سلبا فى صورة القضاء لدى الرأى العام، فأصبحت أخبار القضاة والنيابة على كل لسان وحتى الجمعيات العمومية الخاصة بالمحاكم والنوادى لم تعد بعيدة عن التناول، وسمح البعض لكل من يريد أن يتحدث حتى لم يكن لديه الخلفيات أو التفاصيل أن يتكلم فى شأن القضاة، وفى بعض الأحيان تتحول الأمور إلى محاكمة موازية أو محاكمة على الهواء دون أن نعرف ما الهدف منها أو ماذا يفيد المواطن غير نقل الحقيقة وليس افتعال الخلافات والبحث عن الإثارة وتوجيه الرأى العام فى اتجاه لا يخدم كثيرا من القضايا.

أعلم جيدا، دور الإعلام تعريفى ونشر الوعى فى جميع المجالات وليس دوره أن يقول ماذا رد المستشار أو ماذا قالت المحكمة، وبماذا رد المحامى، وليس دور الإعلام تفنيد أو تقييم أحكام القاضى ومن ثم القاضى نفسه على المنصة، ولا ننكر أنه إذا كان الأمر يتعلق بالجانب البحثى فهذا متاح وموجود وتتم ممارسته فعليا ولكن النتائج البحثية مختلفة والدراسة البحثية تختلف عن التناول الإعلامى الذى فى الغالب يكون عابرا ولتوصيل رسالة بعينها، وقد يتم تفسير موقف المحامى الذى يخرج لوسائل الإعلام ويقول تفاصيل للرد على الحكم أو التعليق والتقييم أن حججه التى قدمها للمحكمة ضعيفة فأراد أن يؤثر على الرأى العام للاستفادة، أو أحيانا قد تفسر أنها لحب الظهور.

ومع كل هذا فالأمر لا يحتاج نصوصا وتشريعات للمنع أو الحظر فلم تكن فى الماضى توجد تشريعات تمنع وسائل الإعلام من تناول الأحكام القضائية.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة