نعم إنه الاسم الثلاثى الحقيقى للشابة اليافعة والجذابة التى فتنت الناس طيلة 15 عاماً، هى بنت إبراهيم عيسى، نطفة عقله، وغرس يديه، ونخلة مشاعره، بذر حبتها فى تربة صاحبة الجلالة، فأنبتت ألف سنبلة، أنشأها إبراهيم مدرسة بلا أسوار، نمت وترعرعت فى الهواء الطلق دون حواجز وجدران، كانت الصحافة المصرية قبلها قد شاخت فى اتجاهين، الأول استكان للنسق التقليدى الرصين بأشكاله المتوارثة، فتواطأ مع القارئ على حالة مذرية من الكسل العقلى حتى أصبحت الجريدة مجرد مروحة هوائية أو مفرش للطعام، أما النوع الثانى فكان تعبيراً عن صحافة الرأى، التى بلغت درجة الزعيق والوعظ والخطب الأيدلوجية، ولم يعد يحتملها القارئ الذى زهد فى وجبتها المتعالية، ويقينها الساذج، واستقرت بالتالى كتلة قراء الصحف استقراراً مريباً، صار يتقلص بالتدريج.
وحينما جاءت الدستور، كانت كالقيامة، قلبت موازين المهنة وذائقة القراء وصارت مضماراً لممارسة القلق، ونجحت بامتياز فى استقطاب القارئ الجديد، بعد أن قضت مضاجع القارئ القديم، الذى اكتشف فجأة أنه مجرد سؤال مستهلك عبيط، فأصبح منتجاً ومشاركاً ومشاغباً، ومتلذذاً مع القارئ الشاب (الطاقق) فى كسر التابوهات، ورفع السقف السياسى، كانت الدستور كحجر ضخم أُلقى فى البحيرة الراكدة فأحدث به آلاف الدوامات، وأيقظ (البساريا) من غافلة الأعماق لتظهر على سطح المياه.
كسرت الدستور الحائط الرابع فلم تعد هناك قطيعة بين المنصة والجمهور، لأن الكل فى حلبة الفعل سواء، تحدثت الصحيفة بلغة الشارع، ويتحدث الشارع بلغة الصحيفة.. انتقل الهامش إلى المتن والمتن إلى الهامش كان الاكتشاف مذهلاً لشباب أصبحوا نجوماً فى الكتابة، وقراء أعطتهم الدستور "سنارة" فتصادوا على طريقتها، إنها مشروع كامل قادته الفكر لا رأس المال، وفكرتها البسيطة والمباشرة دون لف ودوران، إن القارئ صار يعرف أكثر، ومن ثم لا يحق لأحد أن يدعى امتلاك الحقيقة، وأن من واجب هذا القارئ أن يتحول من مجرد متلقى إلى صانع للفكرة ومساهم فى المشروع.
تلك هى عبقرية "دستور إبراهيم عيسى" التى لا تستطيع أموال العالم أن تسلبه حق الأبوة لهذه الأيقونة الرائعة، ومن ثم إقالة إبراهيم إقالة للمشروع، للأب والابنة معاً، ولمدرسة الهواء الطلق التى ارتادها الكبار والصغار من مختلف القيادات والاتجاهات، لذلك لا أتصور إعادة إصدارها بدون إبراهيم عيسى بالتحديد، وأتصور أيضا أنه لابد من وجود مخرج قانونى وأخلاقى يمنع صدور الجريدة باسمها القديم دون نسبته إلى الأب الشرعى، وإن أصبحت لقيطة، بنت حرام لو وضعوا فى يمينها الملايين، لن تجد قارئاً يخطب ودها لأنها ستصبح جريدة غير شرعية، اغتصبها من لا يملك ليعطيها لمن لا يستحق.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة