نقلاً عن العدد الإسبوعى
إننى أكاد أصل إلى نتيجة أكيدة بأن الدكتور نظيف يتعمد الإضرار بهؤلاء الذين خالفوا إرادته أحيانا أو ناقشوا توجياته أو اشتبكوا معه فى التفاصيل
لو كان المنصب الوزارى فى مصر يملأ لصاحبه خزائن الدنيا بالذهب واللؤلؤ والياقوت، فإن كل كنوز الأرض جميعا لا تساوى هذه اللحظة البائسة اليائسة المهينة التى يتقرر فيها غفلة وبلا إنذار، إقالة الوزير من منصبه بقرار مفاجئ، وفى توقيت حرج، وبلا لياقة وبلا قواعد بروتوكولية تحفظ ماء الوجه، أو تراعى تقدير سنوات الزمالة بين الوزير ورئيس الوزراء، أو بين الوزير وزملائه فى السلطة.
ما جرى مع الدكتور يسرى الجمل، وزير التعليم المُقال، لا علاقة له بما يطالب به الناس من تعديلات وزارية، ولا رابط بينه وبين التغيير المنشود فى تركيبة الحكومة، ولا شأن له بكل ما تردد عن إعادة صياغة مجلس الوزراء فى أعقاب استقالة المهندس محمد منصور. فرئيس مجلس الوزراء يعرف أن الرأى العام كان يتطلع لما هو أبعد من ذلك، وصنّاع القرار يعرفون أن يسرى الجمل لم يكن سوى رقم صغير فى ذيل قائمة أحلام التغيير التى كنا نظنها قريبة، فصارت أبعد كثيرا مما نتصور.
ما جرى مع الدكتور يسرى الجمل ليس سوى صفعة غادرة وجهها مباشرة رئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف لرجل ربطته به علاقة طويلة من زمالة العمل، وسنوات ممتدة من الخدمة العامة فى مجلس الوزراء، وما جرى مع الدكتور يسرى الجمل ومن قبله الدكتور محمود أبوزيد، وزير الرى السابق، يربطهما خيط واحد لا يعبر إلا عن طعن فى هذه الأخلاقيات التى كنا نظن أن مجلس الوزراء ورئيسه الموقر، أول من يلتزم بها طوعا وبكل شرف، لكن الدكتور نظيف يبدو لنا الآن كمن يتعمد وبإصرار إهانة كل من خالفوه الرأى يوما، وكل من بادروا إلى المضى فى طريق على غير رضاه، أو رفعوا رأسهم من حيث كان ينبغى عليهم أن ينحنوا به قليلا أمام رئيس الحكومة.
قل ما تشاء عن مساحات الاتفاق والاختلاف مع سياسات التعليم فى عهد الدكتور يسرى الجمل، وقل ما تشاء أيضا عن حجم التأييد أو المعارضة للدكتور محمود أبوزيد، أنت وأنا لم نكن دائما على خط واحد مع الوزيرين بكل تأكيد، لكننا -أنت وأنا أيضا- لا يمكن أن نعتبر إطاحة الوزراء من مناصبهم بصورة فردية ووسط يوم عمل غارق فى التفاصيل، وفى ثنايا مهام وظيفية متعددة، فعلا عاديا من الزاوية السياسية أو حتى من زاوية العلاقة الوظيفية البيروقراطية فى مصر.
نفهم بالتأكيد أن القيادة السياسية يمكن أن تقيل وزارة بالكامل فى لحظة مفاجئة عند التغييرات الشاملة فى الحكومة، وعندها لا يمكن أن يتعرض وزير بمفرده إلى فضيحة أمام الرأى العام، ولكننا لا نفهم أن يكون التغيير محدودا بل وفرديا فى وزارة واحدة، ولا يبادر رئيس الوزراء إلى إطلاع الوزير محل التغيير بقرار رئيس الجمهورية، لكى يتمكن من ترتيب أوراقه، أو تعديل أجندة عمله، أو حتى منحه فرصة لتسليم الوزارة إلى خلفه الذى تقرر أن يرث مكانه كرسى السلطة.
لا أظن أن رئيس الجمهورية يرضى بما جرى، أن يكون يسرى الجمل بين التلاميذ فى إحدى مدارس محافظة السادس من أكتوبر، وأن يكون الوزير فى مهمة عمل نبيلة يتناول مصل التطعيم من الأنفلونزا أمام أعين مصورى الصحافة والتليفزيون لطمأنة أولياء الأمور من المصل الذى نال قدرا هائلا من الشائعات، ثم تكون مكافأة ذلك قرار تغييره وهو فى الميدان بين الناس.
لا أظن أن رئيس الجمهورية الذى أصدر قرار تعيين الدكتور أحمد زكى بدر خلفا للدكتور يسرى الجمل يعرف أن الوزير المُقال سيتعرض لهذا الموقف الذى يجعل منه نكتة بين الناس، ويعرضه لموجة من السخرية أمام الرأى العام، ولا أظن أن رئيس الجمهورية -الذى يعرف عنه المقربون إليه، أنه أكثر وفاء لمن يشاركونه الخدمة العامة- يعرف أن الدكتور يسرى الجمل سيتعرض لهذه المهانة.
إننى أكاد أصل هنا إلى نتيجة أكيدة بأن الدكتور نظيف يتعمد الإضرار، للأسف، بهؤلاء الذين خالفوا إرادته أحيانا، أو ناقشوا توجيهاته أو اشتبكوا معه فى التفاصيل، ويقينى أن الدكتور محمود أبوزيد، وزير الرى السابق، تعرض لهذه الصفعة، حين صدر قرار إقالته منفردا من الحكومة، بعد أن وصل إلى مكتبه فى وزارة الرى، ويقينى أيضا أن ما جرى مع الدكتور يسرى الجمل ليس بعيدا عن هذه الحيل السخيفة التى لا جدال فى أنها تصدر عن عمد من رئيس مجلس الوزراء.
اللياقة واجبة هنا باسم الزمالة وباسم المشاركة فى مسيرة عمل طويلة، فما الذى يمنع تطبيق قواعد اللياقة على أحد شركاء الإدارة فى مصر، وما الذى يمنع رئيس الوزراء من إطلاع الوزير محل الإقالة بقرار السيد الرئيس حتى لا يتعرض لهذه المهانة التى تصوره باعتباره مفصولا من السلطة دون إبداء أسباب.
نحن لا نعرف مثلا حتى الآن وعلى وجه اليقين لماذا خرج رجل مثل الدكتور محمود أبوزيد بشكل فردى؟ هل فشل فعلا فى الرد على الاتهامات التى وجهها بعض الأفارقة لمصر فى مؤتمر عام، أم أنه أخفق فى مشروع استراتيجى كبير، أم أنه لم يلتزم بالسياسات التى يقررها مجلس الوزراء، أم لأنه اختلف شخصيا مع الدكتور أحمد نظيف؟
وبنفس المنطق لا نعرف الآن ما الذى دفع رئيس الوزراء أن يطلب تغيير الدكتور يسرى الجمل، هل لأنه فشل فى تطبيق السياسة التعليمية الرشيدة التى قررتها الحكومة، أم لأنه تعثر فى مواجهة تحديات العملية التعليمية، أم أخفق فى إدارة أزمة المعلمين، أم لأنه اختلف شخصيا مع السيد رئيس الوزراء؟
لماذا جاء هؤلاء إلى السلطة، ولماذا رحلوا عنها هكذا دون أن نفهم لم حملوا هذه المسئولية؟ ولم أجبروا على تركها بهذه الصورة؟
الأكيد أنه لا إجابة عن هذا السؤال، فلا أحد يعرف كيف يتم تكليف الوزراء، وكيف تجرى محاسبتهم فى المجلس، وما طبيعة علاقتهم برئيس الحكومة، وما دور المزاج الشخصى أو الهوى الوظيفى لرئيس الوزراء فى تقييم زملائه فى المجلس، ومن الذى يحكم على وزير واحد بالنجاح أو بالإخفاق إن كان منطق التستر السياسى يحكم عمل جهاز الحكومة طوال الوقت، وإن كانت الرقابة البرلمانية غائبة داخل مجلس الشعب وفى ظل الأغلبية الحزبية الكاسحة إلى الأبد؟
إن كان مجلس الوزراء يحترم أعضاءه ويعمل بقواعد شفافة وبآليات نزيهة فما الذى يصل به إلى المستوى الذى يطرد فيه وزيرا من منصبه عمدا بهذا الشكل المهين؟ وإن كان مجلس الوزراء يطبق قواعد عادلة فى الإدارة والمحاسبة، فما الذى يخفيه رئيس الوزراء من علاقته بالدكتور محمود أبوزيد أو الدكتور يسرى الجمل إلى الحد الذى يتقرر إبعادهما فرديا بكل إهانة بهذه الطريقة التى عشناها مع الرجلين؟
أخشى أنه لا قواعد ولا آليات ولا أخلاقيات للزمالة ولا لوائح للمحاسبة ولا استراتيجيات يجرى الاتفاق أو الاختلاف عليها، أخشى أن الأهواء وحدها هى الأساس هنا وفى كل شىء من حولنا.
خالد صلاح يكتب..آخر حقنة للسيد الوزير.. التعديل الوزارى أثبت أن نظيف هو الرجل الأقوى والأقدر على إطاحة المختلفين معه فى غمضة عين
الجمعة، 08 يناير 2010 12:40 ص