هل يستطيع أحدكم أن يعيش ويتعايش ويتفاعل ويتحدث ويخاطب ويتواصل ويعمل ويبدع وسط مجموعة من الرجال فقط دونما امرأة واحدة؟ نعم يستطيع، انظر وشاهد قناة الناس المملوكة رجل الأعمال السعودى الوهابى منصور بن كدسة، وأنت تكتشف ذلك بعينيك، وإن كنت غير مبصر فستفطن إلى ذلك بأذنيك.
وقبل الدخول فى ثنايا هذه الظاهرة، فقناة الناس تعد الأوسع انتشاراً من بين عشرات القنوات الدينية التى تطل علينا صباح مساء وفجراً دون توقف. واستطاعت هذه القناة الموجهة أن تستقطب عدداً هائلاً من النساء ربات البيوت اللواتى يستمتعن بقضاء أوقات فراغهن وسط متعة الريموت كنترول، وأيضاً آلاف الشباب الذى وجد فى القناة ملاذاً لهفواتهم وأزماتهم وأخطائهم اليومية والمزمنة كترك الصلاة، والجهل التام بأحكام الزكاة، مروراً بالفتاوى المتعلقة ببعض القضايا الحرجة كالتدخين والعادة السرية، والاختلاط بين الجنسين، وحكم النظر إلى المخطوبة، والفرق بين النية والعزم والفعل.
أما بالنسبة للفتيات الصغيرات وهن تتراوح أعمارهن بين السادسة عشرة والعشرين، فحدث ولا حرج، فهن الجمهور الحقيقى للقناة، سواء قمن بالاتصال أو اكتفين بالمشاهدة والتقاط المعلومات والحقائق والتعاليم الدينية من خلال مشايخ وعلماء القناة الأفاضل.
أما بالنسبة لهؤلاء العلماء الأفاضل فهم من يطلق عليهم مريدوهم دعاة السلفية، أمثال الشيخ محمد حسان سوبر ستار قناة الناس الذى استطاع بفضل علمه وموهبته الفطرية فى الدعوة والإرشاد أن يستقطب ملايين المشاهدين فى مصر والدول العربية، والشيخ محمد حسين يعقوب الذى اعتاد من هم فى سنى أن يستمعوا إلى أحاديثه وخطبه صوتيا ونحن طلاب بالجامعة فى أوائل التسعينيات، وهو بالحق يمتلك علماً ومعرفة أحسده عليها وذاكرة طيبة، وأسلوباً استثنائياً ينفرد به وسط كافة دعاة هذا العصر. بالإضافة إلى نجوم القناة من الدعاة مثل الشيخ محمود المصرى صاحب الابتسامة الرقيقة والوديعة، والذى قرأت له قبل أن أراه فى زمن كان يقدس المرء فينا القراءة والمعرفة قبل أن تتحول حياتنا إلى شاشة كبيرة وأذن أكبر.
وأيضاً فضيلة الشيخ أبو إسحاق الحوينى، ورغم قلة ظهوره، إلا أننى اكتشفت أن جمهوره أكبر كماً وكيفاً وثقافة من جمهور سابقيه. بالإضافة إلى الدكتور أحمد عبده عوض ومن لا يعرفه فهو أستاذ ماتع وبليغ فى علمه الأساسى، وهو طرق تدريس اللغة العربية، وله دراسات رائدة ومتجددة فى تخصصه أعانتنى كثيراً عند حصولى على درجة دكتوراه الفلسفة فى التربية منذ سنتين تقريباً.
ولكن على فترات متقاربة حيناً ومتباعدة أحياناً أخرى لاحظت أن قناة الناس تخلو تماما من النساء على الشاشة، اللهم إذا وجدت امرأة تعمل خلف الكاميرا أو ضمن فريق الإعداد أو الإخراج، وأظن أن هذا الأمر مستبعد تماماً. وأصبح منع النساء من الظهور على شاشة قناة الناس أمراً يسترعى فضولى لسبر المغزى من هذا المنع.
وفى ظل محاولتى لمعرفة سبب المنع وجدت إجابات متباينة ومختلفة ومتشابهة أيضاً، فأحدهم قال لى إن القناة حددت من قبل برامجها ومشايخها، وبالتالى أصبح من الصعوبة إضافة أى برنامج أو شيخ جديد عليها. وهذا الرجل الذى أصدر إجابته السابقة يبدو لى رجلاً طيباً، لأنه بالمثل الشعبى المصرى النكهة البحر يحب الزيادة، فلماذا لا تضيف القناة دعاة جدداً وشيوخاً يحملون علماً ومعرفة وقلوباً طيبة.
وأحد السلفيين الذين أعرفهم، أعلن أن القناة لا تستعين بالنساء لأن المرأة عورة، ووجهها عورة وصوتها أكثر عورة، لأن كل ما سبق يدعو إلى الفتنة والرزيلة ومن ثم فساد الأخلاق والقيم التى تحرص القناة على بثها ونشرها بين المشاهدين. وقد يسخر البعض من قرائى الذين أحبهم حقاً وأسعد بتعليقاتهم حينما أستخدم عبارة عامية ليست بالفصحى، لأن اللغة العربية الفصيحة قد ضاقت بى وبموضوعاتى، فدعنى أقول لكم ولأسرة القناة المحترمة والله "أنا زعلان قوى من هذا الرأى".
وأنا على حد علمى وذاكرتى الضعيفة، أذكر أننى قرأت يوما فى كتاب صدر عن الأزهر الشريف بعنوان "المسجد فى الإسلام" فى شهر شوال الماضى، بأن مجدد عصره الإمام الشافعى كان يسأل ويتعلم من السيدة الطاهرة السيدة نفيسة حينما كان بمصر، والقصة والحكاية التاريخية تستحق الذكر. فلما قدمت السيدة نفيسة رضى الله عنها إلى مصر سعد المصريون وقتها بزيارة فقيه الإسلام الأكبر فسعى إلى مجلسها العلمى وناقشها فى بعض الأمور الفقهية، ولم يجد هو والناس فى عصره أن هذه المرأة عورة، ناهيك عن فضل أم المؤمنين السيدة عائشة رضى الله عنها فى نقل حديث رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم للصحابة والتابعين والبشرية كلها، ولم يدع امرؤ ساعتها أن صوتها رضى الله عنها عورة، أو أن يدعى رجل بأن علمها وحديثها ناقص مذموم.
حسن، سأكتفى بما يذكره الإخوة من السلفيين بأن الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها، فانتبهت إلى مقالى بأنى أستمع كثيراً إلى الدكتورة سعاد صالح والدكتورة عبلة الكحلاوى، بالإضافة إلى أساتذتى من النساء متعهن الله بالصحة والعلم والعافية، وغيرهن من النساء العالمات ولم أجد حرجاً فى فقههن وعلمهن، ولكنى لا أطلب من قناة الناس فرض النساء على خريطة برامجهم الدينية، فهذا شأنهم وحدهم، ولكنى أثير هذا الأمر من أجل ابنى الصغير وابنك وابنتك أنت أيضاً، فأنا أفضل أن يستمع ويشاهد الصغار برامج دينية موجهة من جانب النساء لأن هذا أمر محبب لدى الصغار، لاسيما الذين تتركهم أمهاتهم صباحاً متجهات إلى عملهن.
وأنا على يقين بأن النساء الملتزمات دينياً وعقائدياً يقمن بمثل هذا التوجيه الدينى والسلوكى يوميا، وهن أحرص من غيرهن على ذلك، ولكن من منطلق المثل السابق بأن البحر يحب الزيادة فالأحرى أن توجه قناة الناس الأطفال باعتبارها القناة الأكثر انتشاراً وتأثيراً من خلال امرأة محتشمة وملتزمة ومتدينة تشبه أمهاتهم، وما العجب فى ظهور امرأة متخصصة فى أدب الأطفال وتربيتهم تحكى لهم قصصاً من التراث الإسلامى، أو تتواجد مع بعض الصغار وهم يلعبون ويقدمون لأطفالنا شيئاً خصباً مثمراً كما تعلمنا ونحن صغار قبل دخولنا المدرسة التى كانت خالية يومها من أنفلونزا الخنازير والتطرف، أما إذا كان الأمر يتعلق بكون المرأة عورة وجهاً وصوتها ووجوداً، فهذا أمر يطول.
• دكتوراه فى التربية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة