أولا أهنئ جميع القراء ومصر والعالم بالعام الجديد، والذى أتمنى فيه الخير والفرح والسعادة للجميع وبأن تشرق على عالمنا الكبير شمس الحقيقة ويسطع أنوار السلام. وفى بداية هذا العام أود أن أتشارك معكم بتجربة جميلة أتمنى أن تتحقق فى بلادنا. عندما كنت بالمملكة المتحدة، قابلت أحد طيور مصر المهاجرة، وهو أستاذ جامعى، طبيب واستشارى جراحة معروف، وهو أ.د نبيل مصطفى وذكر لى تجربة رائدة قام بها فى المقاطعة التى يعيش فيها. وقد عرض هذه التجربة مؤخرا فى حديث أمام اتحاد المصريين فى أوروبا قال فيه: منذ أن تقاعدت عن العمل فى مجال الطب.
ولأنه أصبح لدى فائض من الوقت وما زال لدى الطاقة للعمل، فقد قررت مواصلة خدمة المجتمع بطريقة أخرى .صادف ذلك عام 2003م حيث كانت طبول الحرب تقرع بقوة واقترب العد التنازلى لغزو للعراق. ويأس العالم من المحاولات لتفادى الغزو، ولم يكن لدى الفرد العادى فى أى مكان فى العالم القدرة على القيام بأى عمل واقعى لتفادى الكوارث المرتقبة.
خطر على بال مجموعة أصدقاء كان د. نبيل رائدهم، أن يدعوا لاجتماع يشمل ممثلين عن الأديان ليلقى كل ممثل كلمة قصيرة فى موضوع "السلام العالمى ووحدة العالم" من منظور تعاليمهم الدينية الخاصة بهم. وأدهش المجموعة حرارة الاستجابة لهذه الدعوة، إذ وجدوا عددا كبيرا من رجال الأديان يرغب فى الحضورممثلين عن أديانهم.
تقدموا لعمدة البلدية بدعوة للاجتماع ووافقت البلدية وسمحت لهم باستخدام القاعة العامة بها. رتبوا البرنامج على أساس أن يكون المتحدثون بالترتيب التاريخى لديانتهم حتى لا يكون هناك أى قلق من ناحية وجود أى تفرقة فى الترتيب. فكان الترتيب للمتحدث الزردشتى ثم اليهودى ثم الهندوسى فالبوذى واليهودى ثم المسيحى والمسلم والسيخ وأخيرا البهائى وألقاه د نبيل مصطفى. ساد الاجتماع روح عالية من الروحانية، وكان الحديث من الحضور منصب على وجوب الاستمرار فى هذا المجهود، بحيث لا يكون مناسبة عابرة، بل عملا استمراريا. فعقدوا اجتماعا ثانيا لدراسة المشروع بالتفصيل وفى النهاية أعلن العمدة عن إقامة "منتدى الأديان لمنطقة ألمبردﭺ " Elmbridge Multifaith Forum ووقع الاختيار بالرئاسة على د نبيل مصطفى.
كانت أهداف المنتدى هى: التشجيع على التواصل والالتقاء بين الأديان والعمل على إذابة العزلة بين المجتمعات الدينية المتباينة، الدعوة لاجتماعات دورية تجمع ممثلين عن الأديان المختلفة للتشاور فى الأمور بهدف إقامة خدمات محلية من أجل المجتمع، مساعدة الهيئات التطوعية المحلية فى أعمالها حتى تشمل هذه الخدمات ممثلين من الأديان فى أداء خدماتها مع بث الروحانية والقيم الدينية فى هذه الخدمات، إقامة مناسبات تشمل الفئات الدينية مع العلمية والاجتماعية والفنون، وذلك لإذابة الفوارق بينها وإتاحة الفرص للاستفادة من جميع هذه الفئات فى هذه الأعمال المشتركة، تقديم أنفسهم للمجلس البلدى كمنتدى وكنقطة اتصال وتواصل، منح الفرصة للأهالى من كافة الأعمار للمشاركة فى العمل المؤدى إلى تقارب الأديان، وأخيرا وضع المنتدى كهيئة يعلمها الجميع سواء من الأهالى أو الجهات الرسمية من أجل الحصول على المعلومات أو المشورة فى الشئون الدينية.
حظى المشروع بنجاح فاق كل آمال المجموعة وانضم إليهم أكثر من مائة عضو يمثلون جميع الأديان بل أيضا العديد من الطوائف الدينية. وتم تدشين موقع على الإنترنت خاص بهم، ثم بدأوا برنامجا منتظما لزيارة أماكن العبادة المختلفة إسلامية أو مسيحية أو يهودية أو هندوسية إلى آخره. وبعد كل زيارة كان الوفد يقوم بتحرير ملخص عن الزيارة وما تعلموه ثم يتم نشره بعد مراجعة من مسؤولى دور العبادة بصحة البيانات فى موقع المنتدى الإلكترونى ثم فى النشرة الدورية المطبوعة. وسوف يقوموا بإصدار ملخص جامع لهذه الزيارات فى كتيب صغير يستطيع الفرد أن يحصل منه على المعلومات الأساسية لكل الأديان وأماكن العبادة لها بالمنطقة.
ثم تطور المشروع بعدما ذاعت الفكرة فى كافة المناطق المجاورة ليس فقط فى ألمبردﭺ بل أيضا فى مقاطعة سارى بل، وربما فى منطقة جنوب شرق إنجلترا. وقد كلف د.نبيل مصطفى من ضمن اللجنة المكلفة بإعادة قيام منتدى الأديان فى هذه المنطقة South East England Faith Forum. إلى جانب هذا فقد طلب منه المجلس البلدى إقامة منتدى آخر لخدمة المساواة والتعددية والآن هو يرأس منتدى "المساواة والتعددية لبلدية ألمبردﭺ” Elmbridge Equality and Diversity Forum. من خلال هذا المنتدى إستطاع التواصل ليس فقط فى المجال المحلى، بل أيضا فى مجال هيئة المساواة وحقوق الإنسان الأهلية، وأقيم عدد من ورش العمل نجحت فى إدخال عنصر المسؤولية الفردية على تقارير الهيئة التى كانت تتحدث فقظ على الحقوق وليس الواجبات والالتزامات أيضا.
ثم أصبحت الفكرة أكثر نضجا ودخلت حيز تنفيذ مشاريع خدمة المجتمع , فقد أقام المنتدى العديد من المشاريع الصغيرة لخدمة المجتمع، وخاصة فى الأحياء الفقيرة وساعدهم فى ذلك الحصول على المنح من الجهات المانحة المختلفة خاصة بعد ان سجلت كهيئة خيرية مستقلة. وكان أحد أسباب النجاح أن كل هؤلاء الأفراد كانوا يعملون سويا من أجل خدمة المجتمع الذى يعيشون به تحت مبدأ احترام بعضهم بعضا ولا يحاول أى منهم جذب أى عضو آخر إلى دينه أو طائفته. فالحرية مطلقة لكل فرد.
انتهت قصة تجربة أردت أن أعرضها للقراء علنا نستطيع فيه كمجموعة أفراد أن ننفذها حتى تتوارى نزعات التعصب ويسود التسامح والمحبة ومعة سيعلوا حس الرقى والنظافة والجمال لتطوير المجتمع والمحافظة على موارده الطبيعية وتنظيف البيئة المحيطة وزرع شجرة أمام كل دار فعلينا كأفراد أن نتعايش مع مجتمعنا وأن نؤدى واجبنا نحوه آملين التوفيق والنجاح. فلكى يكون لنا حقوق فعلينا ايضا التزامات، وأن نرسخ فى أذهاننا فكرة أن الفرد فى خدمة المجتمع قبل أن يكون المجتمع فى خدمة الفرد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة