الأموات والأحياء فى مجارى عزبة الخيالة

الخميس، 21 يناير 2010 04:16 م
الأموات والأحياء فى مجارى عزبة الخيالة من ينقذ الأموات قبل الأحياء؟
كتبت رانيا فزاع

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بين صرخات الأحياء ومراسم دفن الموتى يستيقظ يومياً مئات الأفراد فى عزبة الخيالة ورجال جالسين على الأبواب تعلو وجوههم ملامح انتظار الرزق ومقابر منهارة وشروخ وسكون يخيم على المكان، تستطيع أن ترى هذا بمجرد أن تطأ قدماك أرضها.

ستشاهد أطفالاً تلهو وتلعب حول مشاهد المقابر، ونساءً تطهى الطعام وتنشر الملابس وأخريات يجهزن المأكل، تلك المنطقة المكتظة بالأحياء والأموات معاً، تعيش على مياه جوفية متسربة من عين "الصيرة" التى يلقى فيها سكان "عزبة خير الله" مخلفاتهم وبقايا البناء والردم وتسببت فى تهديد المنطقة بأكملها بالسقوط.

اليوم السابع تجول بينهم ورصد معاناتهم وحياتهم التى تطفو مع المياه الجوفية فكانت هذه التفاصيل.

سمير القط (40 سنة) "ترابى" مولود فى المنطقة ويقيم بها رفض التصوير، وقال "المياه دى ابتدت تخرج كده من الصيف اللى فات بسبب الحر وضغط العماير والردم بتاع العزبة إلى بيرموه فيها من سنين تحت المقابر والميتين باشوا وفى مدافن وقعت من الشروخ المنتشرة بالجبانات".

وصف سمير الحياة فى المقابر، قائلاً "العيشة هنا ربنا يرحمنا منها فالحياة صعبة، وبنتحبس فى البيت من الساعة 7 مساءً، تجنباً لأحداث السرقة والاغتصاب التى تحدث يومياً"

أنا عندى ثلاث أطفال جميعهم فى مدراس يذهبون لمدرستهم الموجودة بعيداً سيراً على الأقدام، وأحياناً يضطروا لركوب أكثر من ثلاث مواصلات بمصروفات تزيد عن خمسة جنيه يومياً" رايح جاى" دا غير الدروس الخصوصية، وأنا أرزقى على باب الله يوم فيه وعشرة ما فيش".

ويضيف سمير، "من يوم ما المسئولين عرفوا بموضوع المياه دى وكل يوم والتانى نلاقى ناس من المحافظة جاية تشالها، وتانى يوم تطلع تانى وإحنا مش لاقيين حل، وممكن البيوت تقع علينا فى أى لحظة، غير أكل عيشنا بقى مستحيل ومش عارفين ندفن ميتين وكل شوية نشيلها علشان المية اللى بتدخل جوة الترب".

وهنا تدخل علاء جاره ورفيق مهنته (25 عاماً) ومتزوج حديثاً بكلماته اليائسة ووجهه الحزين، قائلاً "توفى ابنى أول أمس بسبب مرض أصابه فجأة وبسبب بعد العزبة، عن أقرب مستشفى ولم أستطع أن ألحقه قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة ويموت".

علاء استطاع بفطرة المصرى، أن يصف حجم المأساة التى يعيشونها فى كلمات قليلة، قائلاً "التواجد الأمنى هنا ضعيف، والحكومة بتعدى كل يوم بس مفيش نقط تفتيش ثابتة، أصل مفيش مواصلات، لأن السواقيين بترفض تقف أمام العزبة خوفاً من اللصوص المشهورين فيها".

المياه هنا كبريتية مالحة، تأثر على المبانى وتسبب هبوطها، بالإضافة إلى أنها تصيبنا بالعديد من الأمراض المكيروباتية، وبالليل بتبقى عتمة مفيهاش أعمدة نور وكلها مكسرة، وأتمنى أن يأتى الحى ويرحمهم بدل أن يتحولوا لدويقة جديدة ويموتوا أسفل المقابر".

سميحة عبد المعطى تسكن مقبرة مع أبنائها مكونة من غرفتين لا تعرف كم من العمر مر عليها منذ ولادتها فى نفس المكان، لكن ملامح وجهها أخبرتنى أنها ربما تخطت الخمسين أو أواخر الأربعينات لديها 9 أبناء تزوج منهم أربعة، تساعد زوجها التربى"

بلهجة استسلام وألم قالت سميحة "يا بنتى الميه دى بقالها أكثر من 15 سنة موجودة واتعودنا على العيشة جواها، حتى الميتين اتعودوا عليها بتغرق الميتين تحتيها، إحنا جالنا قبلك ناس كتير هنا ومحدش بيعمل حاجة، والشقوق بتزيد فى الحوش وبعضها وقعت بسببها وممكن تقع علينا فى أى وقت إحنا بنملى ميه من بره مع جيراننا".

ومعندناش صرف وبنستخدم خزانات، وبناتى بينكسفوا يقولوا أنهم ساكنين فى الترب، وحتى ولادى اللى اتجوزوا بخلى العريس يقابلهم عند حد من قرايبى لأن ما ينفعش يجى يتقدم هنا، "وبنتى خرجت من المدرسة لأنها اتخنقت، ونفسى أخرج من هنا ويدونا شقق بدل العيشة اللى إحنا عايشناها دى، حتى الميتين اتعودوا عليها، لأن الميه بتغرق الميتين تحتيها".

قالت فتحية إبراهيم (70 عاماً) تعيش مع 9 أبناء فى حوش صغير وتمثل المياه بالنسبة لها مشكلة كبيرة لأنها تهديدها بالطرد منه، و"إحنا الحمام بتعانا عشه صغيرة وخطر أنا بخرج مع بناتى وهما رايحين الحمام بالليل".

محمد عواد (40 عاماً) "مبيض محارة وعنده خمس أبناء جميعهم لم يتموا تعليهم وتركوا المدرسة بسبب طول المسافة وابنته الكبرى أصابتها حالة نفسية وعصيبية وكلما صرخت رددت نفسى امشى من هنا".

محمد رد بتلقائية شديدة على جارته اللى قالت "نفسنا فى عضو مجلس شعب يجى يشوف اللى إحنا فيه"، قائلاً "يعنى إيه عضو مجلس شعب طب الأبلة عندها عضو مجلس شعب عشان صحفية والله يا أبلة إحنا معندناش وما نعرفش بيجبوهم منين".












مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة