شريف حافظ

ما بين عشوائية القومية العربية وعلمية الصهيونية

الإثنين، 18 يناير 2010 07:30 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يخرج علينا الكثيرون اليوم، متكلمين حول أهمية مشروع "القومية العربية"، والذى أثبت فشله على أرض الواقع، وأعلن عن ذلك حتى الشعراء، بل و"مُعلقو كرة القدم"، بعد أن أكد السياسيون على عدم إمكانيته، وإن زايد البعض أحياناً لكسب التعاطف الشعبى لبعض الشعوب. وقد مات هذا المشروع منذ عقود، ولكنه الحنين للماضى على ما يبدو وعدم القُدرة على قراءة حراك التاريخ. إلا أن قراءة بسيطة لأهم قوميتين فى المنطقة، هما القومية العربية والصهيونية - وهما أيضاً الذين تصارعا لفترة ما - ينتج لنا الحقيقة الأهم، والتى تقول بأن القومية العربية، كانت فاشلة بما وضع لها من مُعطيات منذ لحظتها الأولى، من خيث التعريف المُبسط والعمل غير الجاد. بينما الصهيونية، ومكوناتها، ورغم كُره العرب الدفين لها، كانت مؤسسة على خُطى ثابتة من رؤية علمية للمصالح والأهداف منذ القرن ما قبل الماضى، وهو ما يدُل على قصورنا النظرى، حتى على أرض المصلحة! وبينما تنبأ ثيودور هرتزل، مؤسس الصهيونية، فى المؤتمر الصهيونى الأول عام 1897، بتحقيق المشروع الصهيونى القومى بعد 50 عاماً (وقد قامت إسرائيل بعد 51 عاماً من تنبؤه)، لم يتنبأ العرب بمدة زمنية لتحقيق "الوحدة"، وربما يرجع هذا لعدم جديتهم من الأساس فى تحقيقها!!

القومية العربية
كانت فكرة القومية العربية تقوم على أساس توحد الدول العربية على أساس روابط اللغة الواحدة والثقافة الواحدة والتراث والتاريخ الواحد وما إلى ذلك من أمور. ولكن، من الملاحظ، أن الفكر القومى قد "استُخدم" على مراحل متفرقة لأهداف المصالح الضيقة لقادة فى المنطقة، منهم الشريف حسين، المعروف بمراسلاته مع هنرى ماكماهون الممثل الأعلى لبريطانيا فى مصر، حيث كان موضوع المُراسلات، هو تحديد "مستقبل" المنطقة العربية، لأن بريطانيا كانت بلداً مُحتل للكثير من آراضى المنطقة وقتها! ومن ثم، كانت الثورة العربية الكُبرى التى قادها الشريف حسين بالاتفاق مع بريطانيا، ضد الدولة العثمانية! أى أن المشروع العربى فى تلك الأثناء، قام على أساس من العداء مع الدولة العثمانية (الأقرب ثقافياً) وبالاتفاق مع بريطانيا (الأجنبية تماما) عن الشرق الأوسط، ثم كانت خيانة بريطانيا للشريف حسين كما ظهر فى معاهدة سيكس بيكو لسنة 1916 وبالتالى لهذا المشروع العربى!!

لقد كان الفكر القومى برُمته "صنيعة" الغرب فى القرن التاسع عشر، وهو ما نقله المفكرون والمثقفون العرب وقتها "نظرياً" للتطبيق فى المنطقة، ليربط الدول الناطقة بالعربية فى اتحاد. وقد عاد المشروع القومى بعد أن استبعده قادة المنطقة فى الفترة ما بعد حروب الشريف حسين إلى بدء الخمسينات، مع الرئيس المصرى جمال عبد الناصر. ولكن ظهر أنه كان يعتمد منطقا عاطفيا للغاية، تمثل فى الخطاب السياسى بالأساس، وقام على أعمال مُتضاربة مع الهدف الأصلى، رغم أننا لا يُمكننا أن ننطر مساعدته لبعض الدول العربية على تحقيق استقلالها وعلى رأسها الجزائر.

ففى زمن عبد الناصر، تنازلت مصر عن السودان، التى تشترك معها فى امتداد طبيعى، واتحدت مع سوريا، التى أملى عليها عبد الناصر شروطا تعجيزية، فقبلت بها لمصالح وقتية لدى من كان يُعادى الشيوعيين فى دمشق ويريد زعامة عبد الناصر للقضاء عليهم. وكان عبد الناصر يحارب نظم عربية بعينها، وهو ينشد الوحدة العربية، وقسم العرب إلى معسكرين: رجعى وتقدمى، وبالتالى، فإنه كان يضع بذور فشل المشروع بمجمله فى أرض تلك القومية. كما أن مصر وقتها دخلت فى حروب، سواء كلامية أو فعلية مع دول عربية كثيرة، أبرزها السعودية والأردن، وهما شريكا مصر اليوم فى محور الدول المعتدلة فى المنطقة! وبالتالي، كان الرجل الذى ارتبطت به القومية العربية، هو نفسه الذى قوض فكرها والقدرة على تطبيقها على الأرض. وقد مات عبد الناصر، وهو يصلح بين الأردنيين والفلسطينيين بعد القتال الذى دار بينهم فى سبتمبر 1970!! أى أنه مات وهو يرى بذور الفناء لهذا الحلم الذى عاشه!

لقد غاب عن مُطبقى الفكر القومى العربى بعض الأمور، على رأسها إعلاء قيمة "المصلحة" فوق المشاعر والعواطف، والعمل بمشروع "علمى" بدلاً التوحد فى ظرف أسبوع أو اثنين، كما حدث فى حالة التوحد المصرى - السورى، الذى كان من الطبيعى أن ينهار سريعاً مثلما قام سريعاً وعشوائياً. كما تناسى القائمين على هذا الفكر، الأقليات العرقية فى المنطقة، مثل الأفارقة غير العرب فى السودان والأكراد فى الشام والعراق. كما أنه يبدو من التاريخ، أن القومية كانت حلما، يطبقه البعض، دون رؤية مصالح من يرفض الفكرة أساساًَ!!

وكلما سمعت من يقول أن "الإمبريالية والاستعمار" وعملاءهما، هم من قاموا بالقضاء على الفكر القومى العربى، أُصاب بالغثيان، لأن الفكر القوى والمغروس فى أرض بلادنا، لا يُمكنه أن ينهار بتلك السهولة. لقد انهارت القومية العربية بسبب عدم جدية أى شخص فى الدول الناطقة بالعربية فى إرساء هذا الفكر، لأنه من الصعب أن يموت فكر بموت زعيم، لأن ذلك يدل على مدى هشاشة هذا الفكر، لدرجة يُرثى لها!

الصهيونية

أغرب ما فى نظرة العرب إلى الصهيونية، التى تُعبر عن الفكر القومى اليهودى، هو أنهم أسموها "بالصهيونية العالمية" بينما هى خاصة بإسرائيل فقط. أى أن العرب أعلوا من شأن الصهيونية، وهى من المرات النادرة التى يُمكن للمرء أن يرى عدو يُعلى من شأن عدوه! والغريب أن العرب لم يتعلموا شيئاً من نجاح التجربة الصهيونية، وما يبرعون فيه فقط هو سب الصهيونية التى أثبتت نجاحها، فى ظل فشل القومية العربية التى مازالت تُمدح من قبل الكثير من الحالمين دون تطوير جدى لها، بالاستفادة من التجارب الناجحة المحيطة! وهناك فارق بالقطع بين أن نكره فكرة وأن ننقدها ونحللها. فبالتأكيد لا أُطالب أحداً بحب الصهيونية ولكن كنت أتصور أن ننظر، على أقل تقدير، فى أسباب نجاحها؟

لقد أيقن اليهود الذين أسسوا الصهيونية، اختلافهم من البداية، لأنهم قادمون من شتى بقاع الأرض، ولا يقطنوا فى منطقة جغرافية واحدة كالعرب! ومن ثم، كان أهم شىء بالنسبة لهم، هو خلق أساس لتوحدهم فى وطن واحد، هو إسرائيل. ولقد بنت الصهيونية، عبر مؤتمرات عدة، الإطار النظرى وطبقته على أرض الواقع للوصول إلى الدولة، خلال 50 سنة. أى أن توحد اليهود ليقيموا الدولة العبرية، حدث خلال 50 سنة وليس أسبوعين!! كانت فكرة المصلحة هى الفكرة الأساسية، وبدأ اليهود يستغلون مُعاناة إخوتهم فى الدين فى كل مكان كعامل جذب للدولة، التى سوف تحميهم وتحافظ عليهم دون قمع أو تعذيب. أى أن الديمقراطية وقيمة الإنسان، كانتا أساساً، فى فكر الصهيونية منذ البداية! لم يكن لديهم شئ يُدعى، "لا شىء يعلو فوق صوت المعركة"، لأن كل مناحى الحياة، كانت معاركهم!

لم يتشكل الفكر القومى اليهودى، على أساس جملة واحدة تقول بتوحد الشعب اليهودى لاتفاق ثقافته وموروثه ولغته، ولكن هذا الفكر، أوجد هذا كله من الصفر! ومن أجل حماية هذا الفكر القومى، أصبح له أذرع، تمثلت فى الصهيونية الدينية والصهيونية العمالية والصهيونية الليبرالية والصهيونية القومية.

وجىء بمفكرين يهود، من شتى بقاع الأرض، ليٌقدموا لهذا الفكر، وأصبح المحتلفين ينضمون للمدارس الصهيونية المختلفة، سواء عمالية أو ليبرالية. فلقد عرف القائمون على الفكر الصهيونى، أن الناس تختلف فى الفكر، وأنه لا يُمكن أن يكون الفكر القومى لديهم، قائماً على أساس رؤية واحدة فقط! فالرؤية الواحدة يملكها الإله، بينما البشر، يملكون رؤى متعددة، وتلك طبيعة الكون كله! وكانوا يختلفون اختلافات رهيبة، إلا أن الهدف ظل رهن عيونهم ولم ييأسوا، لأن الدولة كانت تعنى لهم "البعث"، بعد قهر وذل وظلم فى مواطنهم الأصلية، التى تمثلت فى دولٍ أوروبية بالأساس!

لقد رأى اليهود، عندما بدأوا فى استيطان فلسطين، أنهم بحاجة إلى ما يجمعهم ويحميهم، فأسسوا بذرة جيش الدفاع الإسرائيلى، بالهجانا، وبدأوا فى استعادة اللغة العبرية، لغة التوراة والأجداد! وبدأوا فى العمل السياسى، من خلال الوكالة اليهودية.

وربطوا مصالحهم بمصالح الغرب، رغم أنهم كانوا يعتبرون بلادهم (فلسطين) مُحتلة من الأجنبى (بريطانيا زمن الانتداب على فلسطين). لقد رأوا أنهم يجب وأن يكون لهم مصالح قوية بالدول الكُبرى لأن القوة هى أساس الحرية! لم يهمهم أن تقتل بريطانيا منهم أفرادا، طالما فى النهاية، سيحققون المصلحة الكُبرى، من خلال التعامل معها واستخدامها فى تحقيق أحلامهم! ورغم ذلك مرت أوقات حاربوا فيها البريطانيون! لقد مارسوا السياسة كما يجب أن تكون وليس تطبيقا للأحلام أو الأمانى فقط!

ونجح الفكر القومى اليهودى، المُسمى صهيونية فى فرض نفسه، بتعدديته، المُستخدمة لكل الوسائل والأساليب! وأُرست الديمقراطية فى الدولة من أول يوم، ولم تتوقف عجلة الديمقراطية من وقتها. وتعرضت الدولة لأزمات عدة وصدامات بين سياسيها، ولكن أبداً، لم تُهدم الصهيونية. مات من مات وعاش من عاش وعمل من عمل، وتغيرت سياسات وأسس، ولكن الصهيونية بقت، رغم محاربة 22 دولة لها. وهزمت الصهيونية المشروع القومى العربى، شر هزيمة فى 1967، واستباحت الأرض العربية، حتى أن أول هجوم على الداخل العربى، وقع فى ليلة 27/28 ديسمبر 1968، عندما دمر سلاح الجو الإسرائيلى 13 طائرة لبنانية على أرض مطار بيروت الدولى، كرد على خطف طائرة لشركة العال الإسرائيلية فى 22 يوليو من نفس العام! لقد حققت الصهيونبة المستحيل، بأن توصلت إلى أن أصدرت الكنيسة الكاثوليكية بالفاتيكان "قرار اليهود Decretum de Judaeis"، فى أوائل الستينات، الذى أسس لتصالح تاريخي، بين اليهود والمسيحيين، لأن إسرائيل، كانت تريد أن تصبح "جزء" من العالم لتحقق مصالحها، على عكس الكثير من "القوى الإسلامية" اليوم، التى ترى نفسها فوق البشر أجمعين، فى نظرة، تُعبر عن قصر نظر شديد!

استنتاج

ما سبق كان تلخيصا "غير شامل" لأعمال القوميتين الأبرز فى المنطقة.. وأنا أطرح تلك المقارنة، التى ربما تصدم البعض، ليس لأننى ضد التكتل العربى فى زمن يستلزم التكتلات، وليس ضد التواصل بين الدول الناطقة بالعربية، ولكن لطرح أهمية فكرة المصلحة، بعيداً عن أفكار "العشم" و"العواطف" و"الأغانى"، التى ميزت السنوات التى نادى فيها العرب بمشروع توحدهم، فلا يُمكن لى أن أكره مصالح بلادى، ولكن لا أقبل كمواطن مصرى، أن "ندعى" الأخوة ونبنى الآمال، على أساس مسألة "الشقيقة" الكٌبرى، وما إلى ذلك من كلام، أكل عليه الزمن وشرب، وفى لحظة، يتم "سب" مصر والمصريين، من "الأشقاء". تلك ليست قواعد للتكتل، وعلى من يرى ذلك أن يُراجع ما يقول، لأننا لسنا بهذه الدرجة من البلاهة!

ما أراه، هو أننا يجب وأن "نُعيد صياغة العلاقات العربية العربية"، بناءً على "العلم والإخلاص"، من أجل مصلحة المواطن فى دولنا، بدلاً من العواطف وبناء القصور على الرمال! يجب أن تقوم العلاقات بيننا وبين الدول العربية الأخرى على أساس قاعدة الاحترام المتبادل قبل أى شىء، وعلى أساس احترام مواطنينا لديهم واحترام مواطنيهم لدينا.. يجب أن تجمعنا المصالح، قبل الأغانى والضحك على الذقون والنفاق السياسى المستمر عبر الزمن! التكتل لن يكون بالأمانى وليس لأننا نتكلم لغة واحدة، تختلف لكناتها ولا نفهم الكثير منها! التكتل لن يكون بتاريخ وموروث مشتركين، لأن القاصى والدانى يُدرك أن هذا كلام "فارغ"! التكتل سيكون إذا كان لنا عقول تفكر ولا تتكلم فقط! عندما نستطيع الإستفادة من بعضنا البعض، ونضع العواطف جانباً، يُمكننا أن نتكتل! وبالطبع، فإن هذا التكتل يحتاج إلى مناخ سياسى متوافق معه، ولكن المناخ الحالى غير مشجع على الإطلاق وبالتالى، يحتاج الأمر إلى تهيئة مُتأنية للغاية! أما أن يقع كل شئ، فى لحظة نتيجة مشكلة "هايفة"، فإن هذا لا يصلح أساس لأى تكتل من الأصل!

ملاحظة أخيرة: كنت قد قرأت أن استنساخ "النعجة دولى"، تم بعد 277 تجربة معملية.. فكم تجربة تمت من أجل التضامن العربى!!

• استاذ علوم سياسية





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة