دعوات الرئيس الفرنسى نيقولا ساركوزى اليوم، الخميس، للبرلمان الفرنسى بضرورة إصدار قرار برلمانى واضح بشأن النقاب، قبل الحديث عن قانون لحظره، يعكس عمق المأزق الذى يواجهه ما بين مطالبات بحظر النقاب فى الأماكن العامة، أو الاكتفاء بحظره فى الإدارات الرسمية ووسائل المواصلات فقط. وهى المعركة التى وجد ساركوزى نفسه فى وسطها منذ منتصف العام الماضى، حين طالب نواب بالبرلمان تشكيل لجنة لدراسة ظاهرة النقاب فى يونيو 2009 تصدر توصياتها أواخر يناير 2010، بينما فاجأ نواب الحزب الحاكم أعضاء اللجنة ديسمبر الماضى بإصدار مشروع قانون لمنع ارتداء النقاب منعاً باتاً وفى كل مكان.
وفيما أكد أعضاء بلجنة النقاب أن الاتجاه فى اللجنة يسير نحو حظره فى الإدارات الرسمية ووسائل المواصلات فقط، ستجر خطوة حظره فى الأماكن العامة لو تم اتخاذها، الحكومة الفرنسية إلى مأزق قانونى، منع دول أوروبية أخرى من اتخاذ الخطوة ذاتها مخافة الوقوع فى مخالفات للقوانين الوطنية، والدولية أيضاً .
وهو ما دفع الرئيس الفرنسى للاكتفاء بعبارته الفضفاضة "النقاب غير مرحب به فى فرنسا"، والتى لا يفهم منها ما إذا كان ميالاً إلى الحظر الكامل، أم المحدود لارتداء النقاب، لكن تصريحاته الرئيس تدل على أن الرجل لا يرغب على الأقل حالياً فى ارتكاب أخطاء قانونية تشوه وجه فرنسا أمام العالم، وتوقعها فى اتهامات بتقييد الحريات الشخصية، والدينية لمواطنيها، والمقيمين بها.
وفيما يبدو رفض النقاب اتجاهاً عاماً فى غالبية الدول الأوروبية ومنها فرنسا، إلا أن الجدل حول طريقة حظره لا تقتصر على فرنسا فقط، فقد استغلت ألمانيا على سبيل المثال فترة رئاستها للاتحاد الأوروبى فى 2007 لتوجه نداء الدول الأوروبية باتخاذ موقف حاسم من ارتداء المسلمات للنقاب، بدعوى أنه يتناقض مع الحضارة الغربية، وسبقت الدعوى قانون أصدره البرلمان الأوروبى فى 2004 يقضى بمنع المعلمات المسلمات من ارتداء الحجاب فى المدارس. وفيما أبطلت المحكمة الدستورية الألمانية فى سبتمبر 2003 قراراً يقضى بإقصاء مدرسة محجبة من عملها بحجة عدم وجود قانون ينص على حظر الحجاب، فإن المحكمة نفسها أشارت إلى أنه من حق كل ولاية على حده منع الحجاب إذا سنت قوانين محددة لمنعه، وهو ما مهد لقانون حظر الحجاب فى الأماكن العامة 2004.
واكتفت عضو بمجلس الشيوخ البلجيكى بتقديم مشروع فى سبتمبر 2009 يجرم ارتداء النقاب، فى الأماكن العامة والهيئات الحكومية فقط.
أما وزارة التعليم الهولندية فوافقت على مشروع قانون يقضى بحظر ارتداء النقاب فى المؤسسات التعليمية يشمل كل من له علاقة بالعملية التعليمية من معلمين، وطلاب، وأولياء أمور، بالإضافة إلى الزوار، والعمال أيضاً، سيتم طرحه للتصويت منتصف 2010.
فهل تتقدم فرنسا الصف الأوروبى وتكسر حاجز مخاوفها بسن قانون يحظر النقاب فى الأماكن العامة، لتكون بذلك الدولة الأولى التى تفعلها على الإطلاق.
حسام بهجت مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، يشير إلى أن هناك صعوبات حقيقية قد تمنع البرلمان الفرنسى من اتخاذ مثل تلك الخطوة، ليس فقط لأنها تخالف المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وإنما لأن جميع القرارت التى اتخذتها المحكمة الأوروبية فى قضايا تخص ارتداء النقاب كانت تتعلق بحظره فى المؤسسات التعليمية، والإدارات العامة، صحيح أن المحكمة كانت تؤيد قرارت الحظر بدعوى أن من حق الدول اتخاذ ما ترى أنه يتماشى مع الحفاظ على النظام العام والأمن، إلا أنه لا يمكن القياس على هذا الأمر فى حال ما إذا صدر قرار أو قانون بالحظر الكامل للنقاب، فى فرنسا أو غيرها. مشيراً إلى أن دعم المحكمة الأوروبية للحظر الجزئى للنقاب فى عدة دول لم يسلم من انتقادات واسعة من قانونيين أوروبيين، بل ومن قبل الولايات المتحدة كندا. إلا أنه أضاف أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان هى أعلى جهة يمكن أن يلجأ لها مواطن أوروبى بعد اللجوء لقضاء بلاده.
ومن جهته أعرب نجاد البرعى الناشط الحقوقى ورئيس المجموعة المتحدة للمحاماة عن تأييده لقرار حظر النقاب فى فرنسا أو غيرها، طالما أن ذلك الحظر قاصر على المؤسسات التعليمية، وأماكن العمل، والمبيت، ووسائل المواصلات، مشيراً إلى أنه من حق الدول حماية نظامها العام، وأمنها. إلا أنه أبدى تحفظاً على الاتجاه بمنع النقاب فى الأماكن العامة لأن ذلك يخالف الحرية الشخصية وحرية المعتقد، إلا أن البرعى استبعد أن تقدم فرنسا على هذه الخطوة غير المسبوقة. وأضاف "أستبعد ذلك وإن كنت لا أرى أنه مستحيل لأن مواثيق حقوق الإنسان يمكن تكييفها حسب الحاجة، ولكل الأطراف على السواء".
قانونيون وحقوقيون يؤكدون أن الحظر الكامل للنقاب فى فرنسا مستبعد.. وسيضع ساركوزى فى مأزق قانونى.. ويفتح باب الحظر فى أوروبا
الخميس، 14 يناير 2010 04:57 م