شريف حافظ

التسويق السياسى ما بين "الفقى" و"أبو الغيط"

الإثنين، 11 يناير 2010 07:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هل من الممكن أن تخسر قضية، رغم كونك تملك الحق فيها؟ بالتأكيد! يحدث هذا عندما لا تتحلى بالدافع القوى فى الدفاع عنها، بل لا تعرف كيف تفعل هذا. ويمكن أن يتحلى خصمك بكم من الأباطيل ويفوز بحجته الواهية ولكن دافعه فى إقناع الآخر، أكبر منك أنت! إنها قصة الإعلام العربى والإعلام الإسرائيلى، طيلة السنوات منذ نشأة إسرائيل. إلا أننا علينا الاعتراف، بتراجع إعلام مصر تحديداً، منذ أن رحل السيد صفوت الشريف، من المنظومة الإعلامية المصرية! فمهما اختلفنا أو اتفقنا عليه، يجب التنويه بأنه كان رجل أكثر مهنية من وزير الإعلام الحالي، وكان يعرف كيف يدير المؤسسة الإعلامية ككل! بينما الأستاذ أنس الفقى، أثبت أنه آخر من يُمكنه أن يُمسك بالإعلام المصرى، وبرامج التلفزيون السياسية، لا توجه إلا للغرب "الهادئ" أو على أقل تقدير للمثقف المصرى، بينما يتوجه الأغلبية من سُكان مصر إلى قنوات الصوت العالى والردح السياسى، التى تتزعمها "الجزيرة" القطرية أو قنوات "الفتنة" من الناس إلى الرحمة إلى الحافظ، على قمر النيل سات والتى تحض المواطن المسلم على غيره من المواطنين غير المسلمين!!

لقد بلغت إمكانيات الإعلام فى الوقت الحديث، قدرات لا نهائية فى التأثير على الرأى العام، بالوضع فى الحُسبان، أن الإعلام يجب وأن ينطلق من وعى الشعب ومن جذور إدراك موروثه العام.

إن هناك الكثير من المختصين فى "الفن الإعلامى" فى جامعات مصر ومؤسساتها، ولكن كم منهم يعمل فى وزارة الإعلام المصرية؟ لقد قلت حين سئلت، بعد حرب غزة التى انتهت فى 19 يناير 2008، وحول تعليقى على الحرب، أن أول شىء، يجب أن نبدأ به، لتلافى سوء إدارة الأزمات المُشابهة مُستقبلاً، هو إقالة أنس الفقى، حتى نتعلم من أخطاء الماضى! ربما يصلح وزير الإعلام فى إدارة هيئة قصور الثقافة، ولكن بالتأكيد لا يصلح فى إدارة الإعلام المصرى! فها نحن نُعانى، نفس أهوال الهجوم علينا، مثلما حدث فى حرب غزة فى ديسمبر 2008- يناير 2009، رغم حقنا فى بناء الجدار الفولاذى، بينما أنس الفقى، لا يعمل إلا على البرامج الحوارية الهادئة التى تُخاطب المثقفين والمتعلمين، بينما يترك البُسطاء، لقناة الجزيرة، لأن الناس تحب أن ترى من له "حمية" و"لغة قوية فى التعبير، ولو على باطل، حيث يحول "الصارخون" الباطل إلى حق، ويتلاعبون به، بينما الحق، ينقلب إلى باطل، فى إعلام أنس الفقى، الذى يتفق القاصى والدانى على أدائه الباهت فى رسم صورة مصر للداخل أو الخارج، لتُصبح مصر وكأنها الجانى وليس المجنى عليه!!! كنت أتصور أن أرى فيلماً تسجيلياً، على أقل تقدير لما حدث فى 23 يناير 2008، من اقتحام حماس لحدودنا مع غزة، واستشهاد ياسر العيسوى، بدلاً من التركيز إلى حدٍ أكبر، على المعلومات السياسية، التى لا تهم إلا قطاعا محدودا فى مصر! ولا أعنى بالطبع أنها ليست مهمة ولكنها أقل أهمية فى مصر، من التصريحات النارية!

لقد صادف وأن كنت فى إحدى الوقفات الاحتجاجية، وكان على مقربة منى، قيادى إخوانى، يتناقش مع بعض الشباب، حول "روشتة" النجاح الإخوانية فى العمل العام، فقال لهم: "نحن نعتمد أمرين أساسيين: الأول: عمل "دوشة" حول أى قضية رأى عام، حتى وإن لم نحقق أى نجاح فعلى على الأرض، لأن الحكومة لا تتكلم بصراحة حول سياساتها، وبالتالى، نزيد كره الشارع الناقم، للحكومة والنظام، الذى ترك لنا حرية الحركة، التى يجب وأن نستغلها لتحقيق أهدافنا. الأمر الثانى: أن شعارنا يُرفع عالياً، ولا يُمكن لشعار غيره أن يخترق الوجدان المصرى، الذى أصبحت القنوات الدينية الفضائية المُصرح بها من النظام، وعلى قمر النيل سات، تخترقه بجدارة، فتشعل فيه الحس الدينى بأقوى مما لو كُنا فعلنا نحن. فشعارنا أصبح أقل من المطلوب، وبذا فإن النظام يقدم لنا أبلغ مساعدة فى تحقيق أهدافنا ولو كانت ضده هو ذاته"!! إننى سمعت أكثر من هذا ولكن هذا تلخيص للأهم!!!

أما عن السيد أحمد أبو الغيط، فهو يُفاجئنا بالأخبار، التى يُفترض معرفتها مُسبقاً. إنه يُذكرنى بالدبلوماسية السرية قديماً، حيث كل شىء ذى علاقة بممارسات الدولة الخارجية، سر على العوام.

ويصاحب تلك الدبلوماسية السرية من قبل السيد أبو الغيط، نوع من البرود، فى التعاطى مع الإعلام "فى أغلب الأحيان". ففى كثير من الأحيان، يتحدث السيد أبو الغيط بشكل يُشعر الناس بأنه غير مهتم بما يناقشه من الأصل. إنها طبيعة شخصية. ولكننا لا يمكن أن نتعاطى فى الأزمات كأزمة الجدار بهذا النوع من الأحاديث، الهادئة، وبحيث تُخفى الحقائق، حتى تحدث المصائب، فنعرف ما كان قد خُفى عنا.

ولكن فى تلك الأثناء، تكون الحكومة قد خسرت الجولة إعلامياً، ويصبح الإقناع بأثر رجعى. فلم هذا؟

يُمكن للحكومة أن تدافع عن نفسها بالتأكيد على أنها تُصحح أخطاءها أثناء الأزمات، ولكن متى؟ وبعد ماذا؟ ففى مسألة جورج جالاوى ، كان الحديث متأخرا للغاية حول ما تم توزيعه من قبل الخارجية على سفاراتها فى الخارج من تعليمات حول كيفية دخول أى معونة إلى غزة. فهل معلومة كتلك، هى معلومة سرية، لدرجة ألا يحدث نشر لها على مستوى واسع؟ ما السر الحربى فى هذا الأمر؟ هل معرفة هذا الأمر يمكنه الإضرار بالأمن القومى مثلاً؟ لماذا تتأخر الخارجية فى إبداء الحقائق؟ هل تخاف من الشعب ولا تريد تأييده؟ هل تريد لأعداء مصر أن يتعدوا عليها بما لديهم من معلومات لا تتوافق مع الواقع بينما هناك قصور واضح فى تبيان المعلومات من مصر؟ ثم لماذا لا تؤكد الخارجية المصرية على معلومة أنها لن تُجوع غزة؟ إن تلك هى أكبر المشاكل فى مُجمل الموضوع، ولا يثق الناس فى الحكومة فى هذا الشأن، لأنها لا تقوله إلا بالكاد! فما الأمر؟ أتحارب وزارة الخارجية الحكومة أم ماذا؟

لماذا يصر الفقى وأبو الغيط على هزيمة مصر إعلامياً فى الأزمات؟ ما هى الأسباب؟ إننا لا نتكلم هنا عن أشياء لا تُذاع فى النهاية ولا نتكلم عن أشياء سرية بالفعل، كمباحثات مغلقة أو أزمة غير مرئية، ولكن نناقش أمرا أصبح قضية رأى عام! فما هى الأسباب فى أنهم يظهرون بهذا الشكل الهزيل الباهت؟ أيشكون فى قدراتهم؟ إن كان هذا كذلك، فلم لا يستقيلون؟ ألا يوجد من هم أفضل منهم حمية وقدرة على إبداء حب الوطن للجمهور المصرى العريض، الذى كان يشتعل غضبه على مدى الأيام الماضية؟ ألم يروا رئيس الوزراء التركى أردوغان، عندما غضب، فترك اجتماع دافوس يوماً؟ ألم يروا ردة فعل الجماهير فى المنطقة حول هذا؟ ألم يعلمهم هذا، كيفية التعامل مع الجماهير؟ أيريدون درساً من الإخوان المسلمين فى هذا المضمار؟!!

إننا نملك الحق فى مسألة الجدار، ولكن وزيرى الإعلام والخارجية، يصورون الأمر من خلال ما يقومان به وكأننا على خطأ! إنهم لا يملكان القدرة على التسويق السياسى لوجهة النظر المصرية رغم صحتها وإنسانيتها وعدلها وحفظها أمن مصر! ولا أريد منهم، كمواطن، أن يكون هناك ردح سياسى من جانبهم ولكن أن يشعر المواطن البسيط، أنهم يكلمونه هو، وليس "المتفذلكين" من أمثالنا من المثقفين! فإن المثقفين يستطيعون أن يصلوا إلى عمق المواضيع بالقراءة دون حاجة إلى مشاهدة هذا الإعلام الغريب، المنافس لإعلام جزر "الواق واق"، وتصريحات وزارة الخارجية النيئة!

وأتمنى أن توجد هناك خطة مشتركة بين وزارتى الإعلام والخارجية، حول التعامل مع شتى قضايا الرأى العام، ذات البُعد الخارجى، لأنى أستشعر كمواطن، أن كليهما يعمل بمفرده. فلا يُمكن أن نرى تغطيات أكثر تعمقاً عن الأحداث المصرية، من خارج مصر، لأن "ده عيب"! وأتمنى أن يكون لدينا يوماً قناة إخبارية دولية، أفضل من القنوات الإخبارية العربية المختلفة، تقوم بالتسويق السياسى الحقيقى بناءً على العلم والمهارة، حيث نمتلك الإثنين معاً بأفضل من كل من حولنا، بدلاً من تلك العشوائية التى نعيشها ويشعر بها رجل الشارع! وأعرف أننا نمتلك التمويل اللازم لذلك أيضاً، بدليل التطوير الحالى لاستوديوهات التصوير فى مبنى الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو)، رغم أنها بالفعل على أعلى مستوى ممكن (ولكنه المال السايب)! إن قضايانا عادلة ولكن حولها أداء باهت وهزيل من قبل وزيرين فى الحكومة، إلى قضايا ناقصة المعالم ومشوهة! إن تلك قضية مهمة فى مرحلة فاصلة، لا يُمكن فيها إلا أن تُسد الفجوة بين رجلى الدولة والشارع، بأمانة الخطاب السياسى والإخلاص فيه من البداية، بما فى ذاك من بث للإحساس والحقائق والمعلومات الوطنية أولاً بأول، دون الحاجة إلى مشاهدة وسماع الأخبار من خارج مصر حول الأحداث المتعلقة بها، كى نستطيع استعادة الثقة المفقودة بين الطرفين ونتحرك بخُطى ثابتة نحو التنمية الحقة!

• استاذ علوم سياسية .





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة