من قتل هولدن؟ المخابرات الأمريكية أم الموساد أم الكى جى بى؟ أم قيادات فتح الرافضين لاتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل؟
فقد نشرت صحيفة التايمز البريطانية تحقيقا خطيرا كتبه هارولد إيفانز الكاتب ورئيس تحرير صحيفة التايمز سابقا يتهم فيه عدة جهات وأجهزة استخبارات بقتل ديفيد هولدن رئيس شبكة مراسلى التايمز للشرق الأوسط فى القاهرة فى ديسمبر 1977 وذلك بتحريض من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ويقول إيفانز "أنا مقتنع تماما أن المصريين نفذوا عملية القتل".
يروى إيفانز فى الفصول الأخيرة من مذكراته عن حادث مقتل هولدن الذى كان أحد أبرز مراسلى صحيفة التايمز فى الشرق الأوسط وهو مذيع أيضا والذى شهد العديد من الأحداث الهامة بالشرق الأوسط منها وحرب الستة أيام فى 5 يونيو 1967 وحرب أكتوبر 1973، ويشير إيفانز فى كتابه إلى علاقة هولدن بوكالة المخابرات المركزية والموساد الأسرائيل والـ كى جى بى، حيث يقول إنه بحث كثيرا ليفهم حقيقة علاقة هولدن بالـ سى آى أيه وعلاقته بالعديد من الشبكات التى تعمل فى القاهرة فى 1977.
ويوضح إيفانز أن هولدن قد أجرى قبل أسبوع من اغتياله مقابلات مع القادة العرب ودبلوماسيين غربيين، وقد حمل وقت أن كان بالضفة الغربية عريضة للقاهرة تناشد الرئيس السادات بعدم التفاوض مع إسرائيل.
ويروى أن فى ليلة 15 أغسطس قام وزير الداخلية النبوى إسماعيل بالتحقيق مع اثنين من فريق عمل الصحيفة وهم جون بيرى وبيتر جيلمان بشرطة الدقى، حيث كان يحقق 10 القيادات الأمنية العليا فى البلاد فى حادث مقتل هولدن.
وتم العثور على حقيبة هولدن وبها هدايا لزوجته وآله كاتبة وأفلام تصوير فوتوغرافى وملف أزرق به ملاحظات عن كتابه الذى يعده عن المملكة العربية السعودية، إلا أن جواز سفره وكاميرته والأفلام التى التقطها وأى أشياء أحتفظ بها أثناء رحلته التى تقابل خلالها مع القادة العرب كانت قد فقدت، ويشير إيفانز إلى أن هولدن فى الغالب لم يركب تاكسى بعد نزوله من مطار القاهرة، ولكن على ما يبدو أنه استخدم وسيلة مواصلات أرخص.
وقد شك النبوى إسماعيل وفريق المحققين فى أن يكون قتله تم بدافع السرقة، إذ كان هولدن على قيد الحياة لما يقرب من ثلاث أو خمس ساعات وأن اللصوص قاموا بمراقبته بعد خروجه من المطار، ولكن رجال المباحث قاموا بتمشيط طرق منافذ البضائع المسروقة ولم يجدوا أى شىء يتعلق به.
وقد ظن إيفانز فى البداية أن يكون كتابه عن المملكة العربية السعودية هو المقصود، فلقد أخبرته كينزى مراد الصحفية الفرنسيه التى رافقت هولدن فى رحلته لدمشق وعمان والتى تعمل لصحيفة "لو نوفال أوبسرفاتيور" أن هولدن أخبرها أنه كشف فساد لدى جهات عليا لكنه لا ينوى أن يذكرها فى كتابه عن السعودية.
ويوضح إيفانز أن السيارة التى تم خطف بها هولدن لم تكن هى التى تم قتله داخلها لأن الشرطة وجدت سيارة فيات تبعد عن شمال القاهرة بـ80 ميلا، وفى المقعد الخلفى كان يوجد خرطوشة مطابقة لتلك التى قتل بها وكان يوجد آثار دماء بين المقاعد الأمامية، ومسند رأس مقعد الراكب تم إزالته، مما يسهل على القاتل الذى يجلس بالخلف أن يضع الرصاصة فى قلب هولدن وأن مسند الرأس هذا موجود بالسيارة الفيات الأولى التى وجد عندها القتيل، وقد وجدت سيارة فيات ثالثة بعد مرور شهر على الحادث بها وثائق من السيارة التى تمت بها عملية القتل، ولكن السيارات الثلاث كانت مسروقة وفى تواريخ مختلفة مما يشير إلى التخطيط للقتل مسبقا.
ويتساءل الكاتب هل تم إجبار هولدن على دخول السيارة، ويرد قائلا،أن هذا الأمر يصعب تنفيذه لأنه المطار يعج برجال الأمن ويظن، إما أنه تقابل مع شخصية أمنية مصرية أو أن شخصا ما انتحل صفة أمنية ودعاه للسيارة التى تنتظره بالخارج ولكن السيناريو الأكثر إلحاحا أنه تقابل مع أحد يثق به.
ويقول إيفانز إن خلال عطلة عيد الميلاد تحدث عن الحادث مع مسئول مصرى رفيع المستوى كان يزور لندن والذى أكد له أن العملية نفذها المتشددين الرافضين بحركة فتح والذين لن يتوقفوا عن أى عمليات تخريبية لمنع مباردة السادات، ولكن الزعيم الفلسطينى ياسر عرفات وعد هيلينا كوبان مراسلة الصحيفة فى بيروت بإجراء التحقيق فى الأمر.
ويشير إيفانز إلى أن مراسلين من الصحيفة تقابلوا مع على حسن سلامة المسئول عن الاستخبارات بحركة فتح وأكد أنه ليس من سياسة فتح أن تقتل الصحفيين، كما أن التايمز هى مؤيدة للقضية الفلسطينية إذ نشرت الصحيفة تقريرا وقتها عن سوء معاملة السجناء الفلسطينيين، ويلفت الكاتب إلى أن هناك تطورا غريبا على أن تورط حركة فتح فى عملية القتل بدا أقل احتمالا.
ويضيف أن القتلة كانوا يعرفون موعد وصول هولدن بالقاهرة بالضبط لأنهم حصلوا على معلومات مسبقة، كما يذكر أنه تم سرقة أوراق ومستندات من مكتب هولدن ما جعله يعتقد أن هناك جاسوسا بين فريق المراسلين، ولكن المستوى العالى جدا لترتيب الحادث دفعته إلى التفكير فى أن تكون منظمة دولية هى التى خططت للحادث.
ويوضح إيفانز أن الشرطة المصرية ضغطت على البريطانيين لتصديق أن الحادث وراءه جماعة إرهابية ولكن العملية التى تم بها القتل لم تكن مشابهه لحوادث القتل الإرهابى، ولكن ذهب فكر البريطانين إلى أبعد من ذلك، فلقد تم وضع وكالات المخابرات الأسرائيلية والسى آى إيه والروسية واحتمال البريطانية والسعودية قيد الأشتباه، ولكن كان هناك سؤال ملح ليس حول هوية القاتل ولكن هوية المقتول أى من هو ديفيد هولدن؟
وقد بدأ التساؤل حول علاقته بوكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالى، وتم الكشف عن أن هولدن كان على علاقة برجل مسن قبل زواجه بعشر سنوات يدعى ليو سيلبرمان ألمانى المولد وقد كان شيوعيا مناهضا لأمريكا ثم مؤيدا لها ومن مؤيدى دولة إسرائيل ثم قاد حملة مقاومة للصهيونية، وقد ظنت الاستخبارات المركزية أن يكون عميلا للمخابرات البريطانية.
وحينما علم إيفانز بعلاقة الرجلين غير الشرعية حاول أن يسأل مكتب التحقيقات الفيدرالى والـ سى آى إيه عما يعرفونه عن الرجلين، إلا أن الوكالة ماطلته ولكنه استطاع أن يحصل على معلومات من مصادر غير رسمية، تؤكد أن هولدن تقابل مع عميل معروف بالكتلة السوفيتية، حينما أرسلته الصحيفة لواشنطن فى 1954، ولكن مكتب التحقيقات الفيدرالى رفض الكشف عن أى تفاصيل لأسباب تتعلق بالأمن القومى.
وكان جون بارى مراسل بالصحيفة تقابل مع مسئولين بوكالة الاستخبارات المركزية الذين نفوا أن الوكالة تمتلك ملفات عن هولدن أو أنها تعلم بقتله، إلا أن بارى أكد لهم أنه من مصلحتهم قتل هذا الصحفى البريطانى فى هذا الوقت الحاسم، وقد أقر المسئولون بهذه النقطة وقالوا إن تفسير قتل هولدن على يد إرهابيين من أوروبا هى شائعات.
وبعد رفع دعوى قضائية تطالب بحرية منح المعلومات استطاع إيفانز أن يحصل على ملف حول سيلبرمان وهولدن من المخابرات المركزية، ويضيف أنه علم بعد ذلك أن اهتمام الاستخبارات المركزية بـ سيلبرمان بدأ حينما ألتقى مع عميلها فى شرق أفريقيا فى حفل عشاء وأعطاه إنطباع أنه عميل بريطانى يعمل تحت غطاء مؤسسة منح أمريكية.
ويكشف إيفانز أن مصدرا أخبره بأن الاستخبارات المركزية اعتبرت هولدن طرف اتصال غير رسمى، ويضيف أنه وفريق المحققين بالصحيفة اعتقدوا أن يكون هولدن ضالعا فى التجسس لصالح شخص وقد قتل لهذا السبب، ربما يعتقد أنه جاسوس مزدوج وقتله هو "تصفية" فهذا هو جزاء الخيانة.
ويختم الكاتب مشيرا إلى أن المخابرات الامريكية حاولت التقرب إلى مصر وتشجيع معاهدة السلام مقابل مجموعة من الحوافز، وقد كان هولدن عرضة للقتل إذا كان يلعب دور مزدوج فى اتفاق السلام، وأكد أنه لا يجب أن نستبعد وجود عملية مشتركة بتحريض من الـ سى آى إيه وتنفيذ من المصريين وأن طبيعة العملية فى القاهرة تشير إلى تورط مصرى.
هارولد إيفانز رئيس تحرير التايمز السابق يفتح ملف مقتل هولدن
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة