حسن ومرقص وكوهين وهدية العيد..قصة مش مناظر!

الثلاثاء، 29 سبتمبر 2009 04:44 م
حسن ومرقص وكوهين وهدية العيد..قصة مش مناظر! سمر طاهر تقدم رؤية نقدية لفيلمى حسن ومرقص وهى فوضى
بقلم سمر طاهر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
منذ عدة أيام مضت وبمناسبة عيد الفطر المبارك، قدمت قناة أ.ر.ت سينما تجربتين من أهم حصاد عام 2008 السينمائى، مما أتاح للمشاهد وجبة سينمائية دسمة تأتيه فى بيته بعد تخمة الدراما التلفزيونية التى أصابته فى رمضان، والأهم أن الفيلمين قد ناقشا قضايا حقيقية تمس هذا المجتمع..حاضره ومستقبله.

الفيلم الأول هو آخر ما قدم المخرج يوسف شاهين للسينما، فيلم "هى فوضى"، الذى أخرجه بالاشتراك مع تلميذه خالد يوسف، يبدأ الفيلم على أنغام موسيقى مستوحاه من لحن فرنسى قديم، حيث يناقش فوضى الأخلاق والأشياء والبشر فى طرح جرىء.

اختار مخرجا الفيلم فوضى السلطات التشريعية والتنفيذية، واختناق السلطات القضائية، مدخلا للفوضى التى نحياها ليل نهار. وفى ظل فوضى الانتخابات وقمع المظاهرات وانتهاك الحرمات، يعطى المجتمع السلطة لغير أهلها، حيث يتحول القصر القديم بشبرا بكل ما يحويه من روعة تاريخية عفا عليها الزمان، إلى وكر للقهر والقمع ..

أمين شرطة القسم (حاتم) رمز قاتم لسلطة "تحكم ولا تملك"، مكروه من كل البشر، يسد جوعه من عرق غيره.. ولا يشبع. وفى ظل الظروف الطاحنة، كل شىء عنده بمقابل..انتحرت بداخله ذرات الضمير البشرى.. يتقاسم مع المومسات أموالهن، يمزق التاريخ بأبخس ثمن، ولا يعرف للفن قيمة، يتقاسم مع كل لص جريمته، حتى يفشلا، فيعاقب اللص وحده، ويظل هو حراً طليقاً .. القصر ليس وحده مملكته، مملكته فى كل مكان، لكن داخله مظلم موحش، كذلك أيضاً منزله، لذته دائما مسروقة، ويجد فى التلصص متعته (يحكم ولا يملك) . يتعطش لكلمة حب واحدة تنير ظلام نفسه، ورغم فشله فى شراء الحب بوجبة سمك أو شعر نيولوك مستعار أو بعمل من أعمال السحر، إلا أنه يجد فى المومسات و(الموالسات) سلوته التى تقنعه بجمال وجهه القبيح !!

يدنس ثوب البراءة ليزرع بذرة الكراهية، ومن أين تأتى الكراهية إلا من رحم الكراهية.
نجح مخرجا الفيلم فى تصوير كراهية شعب لرمز للفساد عندما يطول السلطة. أما خالد صالح فهو صورة لفتوة العصر الحديث، استطاع بعبقريته كسب تعاطف الجمهور، ورغم فظاظة الشخصية، إلا أنها تظل من نبت التربة المصرية، شخصية مصرية مائة بالمائة موزونة بميزان دقيق ومعجونة بالقهر والحرمان.

أما الفيلم الثانى فهو فيلم مثير، ليس فقط لحساسية موضوعه، بل بسبب الشوق إلى نجم مصرى عالمى(عمر الشريف)، يقف بجواره النجم "عادل إمام" (ولأول مرة فى فيلم قصة مش مناظر!) فى بطولة مشتركة لفيلم يحمل الاسمين معا جنبا إلى جنب "حسن" و"مرقص".. و بدون "كوهين" هذه المرة . قدم الكاتب "يوسف معاطى" فكرة مبتكرة جدا رغم بساطتها، فى محاولة منه للإجابة عن سؤال طريف هو "جربت يا مسلم تبقى مسيحى؟"، والسؤال نفسه أيضا يوجه للمسيحى "جربت تبقى مسلم؟!" .

الفيلم تناول قضية الفتنة الطائفية التى مللنا من مناقشتها فى السنوات الأخيرة فى مصر على طريقة تبادل الأمكنة Trading Places ... يعنى كل واحد يضع نفسه مكان الثانى.
قدم الفيلم ببساطة وجهة نظر كل طرف، وهى وجهة نظر واحدة، الكل يرى نفسه مضطهدا دون غيره، كل طرف متوجس من الآخر، وهو ليس حال المسلمين فقط مع الأقباط، بل حال مجتمع كامل يعيش أفراده ثقافة التعصب ورفض الآخر ولا يحترم ثقافة التعدد والاختلاف.. كل طرف يريد للطرف الآخر أن يموت ليحيا هو. وللأسف فالكل فعلا مضطهد..

المواطن لا قيمة له فى أعين النخبة الحاكمة، بل فى أعين المجتمع ككل، وهو المجتمع الذى تناسى قيمه القديمة فى رحلته للبحث عن لقمة العيش..مجتمع لا تحكمه العدالة والمساواة، بقدر ما تحكمه أخلاقيات الزحام و ثقافة البقاء للأقوى، فتضيع بذلك حقوق البشر. جاء أقوى مشاهد الفيلم عندما اجتمعت الأسرة المسلمة مع الأسرة المسيحية فى شقة واحدة فى نهاية الفيلم، وكل منها تعتقد أن الأسرة الثانية على نفس دينها، حيث لعب الفيلم على وتر إنسانى وحساس للغاية، فكل إنسان يبحث لدى غيره من البشر عن أى شىء مشترك، أى شىء متشابه، أى مساحة من الاتفاق تجمعهما سويا.

ورغم أن كل شىء بين البشر مشترك، وأن القليل من الأشياء فقط يفرقهم، إلا أنهم لا يرون إلا الاختلاف ويعزلون أنفسهم عن الآخرين بإرادتهم، متناسين أنهم فى النهاية بشر.
وبالرغم من أن الفيلم قد اختزل "أسباب" التعصب الطائفى وقدمها بشكل سطحى، وكأن هذه الأسباب تكمن فقط فيما يروج له بعض المتشددين من رجال الدين، وتناسى بذلك الأبعاد المتشابكة للمشكلة... إلا أن "النتيجة" التى قدمها الفيلم للمشكلة هى نتيجة مؤكدة وحتمية للغاية، فعندما تشتعل نار الفتنة يكون من الصعب إخمادها، فتحرق الجميع، لا تفرق فى ذلك بين مسلم وقبطى.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة