د. بليغ حمدى

أوكازيون الفتاوى

الأحد، 27 سبتمبر 2009 01:57 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اعتدت كغيرى من ملايين مصر المحروسة أن أصحو على صوت تلاميذ المدرسة وهم بطابور الصباح، ومن خلال فوضى الإذاعة المدرسية، وأصوات المعلمين، واختلاط ذلك بصوت المجتمعين أمام عربة الفول بجوار سور المدرسة تدرك ما وصل إليه المجتمع من تلوث حضارى. واعتدت أيضاً منذ سنوات ليست بالقليلة أن أستيقظ على أصوات بعض المتظاهرين والمضربين، وبالطبع الضاربين وسط مئات من البشر هواة المشاهدة والأمن المركزى يحاصر كل هؤلاء، وسرعان ما أرى وجوه الجميع حتى أدرك سبب الإضراب الذى لا يخلو من ضعف رواتب العاملين، أو اضطهادهم، أو تعسف المدير أو صاحب المصنع.

لكن المدهش هذه الأيام أنك تستيقظ كل صباح على فتوى جديدة، وقديماً كنت أسمع عبارة شهوة الكلام أو شهوة الصمت، أما اليوم فالعبارة الأكثر شهرة وصيتاً هى شهوة الفتوى، فكل صباح تفاجئنا معظم الصحف إن لم تكن جميعها بنصوص للفتاوى، وتطالعنا القنوات الفراغية كل يوم بكل جديد، وكأنه أوكازيون للفتاوى، فبعض رجال الدين أصبح لا هم لهم سوى إصدار بعض الفتاوى التى تتعلق بأمور يراها معظم الناس هامشية، تلك التى تتعلق برفاهية المعيشة مثل طلاق الإنترنت من خلال رسائل عبر الفيس بوك، وحكم دخول غرف الشات الإليكترونية، والمشاركة فى المدونات والمنتديات.

وأزداد عجباً فيما يتناول موضوع ارتداء المرأة للبنطال، أهو حرام أم حلال؟ وقضايا أخرى كثيرة أدلى الشارع والحاكم والواقع فيها بالرأي. وقد قامت الدنيا وأظن أنها لم تقعد بعد صدور فتوى تجيز للمسلم أن يتبرع لبناء كنيسة، والموضوع برمته لا يهمنى أكثر مما أرق مضجعى بمساواة بناء الكنائس بنوادى القمار، وحظائر الخنازير، وحضانات القطط والكلاب، بالإضافة إلى ما يمثله هذا التبرع من معصية.

الذى أهمنى حقاً هو خلط الأوراق عند إصدار الفتاوى، فإذا تقدم رجل إلى مؤسسة دينية أو مركز ديني، أو أوقف شيخاً عقب الصلاة فسأله عن جواز التبرع لأى مكان أو جهة، فلابد أن يقتصر الجواب على قصد السؤال والجهة، دون استطراد أو إسهاب والدخول فى موضوعات أخرى فرعية. الأدهش (وأرانى كثير الاستخدام لهذه الكلمة مما يدل على ما حدث بالمجتمع المصرى) أن المؤسسة الدينية الرسمية فى مصر متمثلة فى فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر قد علق على هذه الفتوى بأنها لا يمكن الأخذ بها، وأنه ليس من اللائق أو من الشرع وصف المساهمة فى بناء كنيسة بأنها معصية.

الجدير بالذكر أن نص الفتوى، كما ذكر فى معظم الصحف المصرية، جاءت من جهة دار الإفتاء، وهذا ما يجعلنى فى حيرة من تضارب جهات الفتوى، وما بالك بالرجل العادى الذى لا يهمه من الأمر سوى "افعل" و"لا تفعل"، ناهيك عن فتاوى جواز إفطار لاعبى الكرة فى نهار رمضان، على أنهم أجراء، فمنهم من أباح ذلك، ومنهم من رفض الأمر مطلقاً على أن الكرة نوع من الترفيه والرفاهية.

هذا بخلاف بعض الفتاوى المنبرية السريعة التى سمعتها شخصياً من بعض المشايخ الأجلاء عن تحريمهم مشاهدة بعض القنوات الفضائية الفراغية دون علة أو حجة، رغم أن تلك القنوات تبث برامج موجهة دينية وثقافية واجتماعية وسياسية وبرامج أخرى تخص المرأة والطفل. ولم أر قناة واحدة مما ذكره هؤلاء المشايخ تعرض أفلاماً إباحية، أو رقصات استربتيز، أو دعوات للكفر والإلحاد.

مجمل الأمر دون تفصيل إذا كانت هناك إدارة للرقابة على العمال الفنية والدرامية، وكذلك الأدبية، فمن الأحرى (رغم نزعتى الليبرالية) إسكات الأصوات غير الرسمية التى تصر على إغلاق العقل، وتدميره تدريجياً، ورقابة القنوات الفضائية لا سيما الدينية التى تساعد فى زيغ الشباب، وتمييع فكره وفقهه.. اللهم بلغت.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة