انتقد الكاتب الألمانى دانيل سوامنتال فى مقاله بصحيفة وول ستريت جورنال الفكرة القائلة بأن الفلسطينيين هم الضحايا الآخرين للمحرقة اليهودية "الهولوكوست"، إذ أنهم من دفعوا ثمن خطأ الألمان، ما وصفه الكاتب أنه "أسطورة تنتشر على نطاق واسع فى تاريخ صراع الشرق الأوسط".
وأوضح الكاتب أن هناك أكذوبتين فى هذه الأسطورة، الأولى أنها توحى أن لولا المحرقة ما كان هناك مبرر لوجود إسرائيل، متجاهلين ثلاثة آلاف عام من التاريخ اليهودى على الأرض، كما أنها تشير إلى براءة العرب من الجرائم الألمانية وهنا تجاهل أيضا للماضى الفاشى للزعيم الفلسطينى حاج أمين الحسينى الذى لم يكن فقط مفتى القدس، لكنه كان أيضا مجند كتائب الحماية الخاصة ويقوم بعمل دعاية للنازية.
وأشار إلى أن أحد الصحفيين الألمان قد حاول من قبل إلقاء بعض الضوء على هذا التاريخ، إلا أنه واجه غضب من المدافعين الألمان المتعاونين مع العرب.
وذكر الكاتب أن الحسينى دبر فى عام 1920/ 1921 أعمال شغب مناهضة لليهود فى فلسطين والمذابح العربية فى 1929 التى دمرت المدينة اليهودية القديمة الخليل "حبرون"، فهذا المفتى الذى يكن إعجابا لهتلر كان يتلقى تمويلا من النازية مثلما فعل الإخوان المسلمين فى مصر خلال 1936 و1939 من أجل الانتفاضة الفلسطينية، وفى هذه الأثناء قتلت عصابة الحسينى –وفق تعبير الصحيفة- مئات الجنود البريطانيين واليهود والعرب الذين كانوا يرفضون هذه الأجندة "الإسلام- نازية".
ويكشف الكاتب، بعد أن شارك الحسينى عام 1941 فى محاولة فاشلة للانقلاب الفاشى فى العراق، هرب إلى برلين كضيف لهتلر، وفى خدمة الرايخ الثالث عمل الحسينى على تجنيد الآلاف المسلمين فى كتائب الحماية الخاصة، حيث تعاون مع النازيين لمنع آلاف اليهود فى أوروبا من الهروب لفلسطين، الذين تم إرسالهم فيما بعد لمعسكرات الموت، وأنه كان يتآمر مع النازيين لجلب الهولوكوست لفلسطين، إلا أن هزيمة رومل فى العلمين أفسدت هذه الخطط.
ويشير الكاتب إلى أنه كان من المقرر إقامة معرض فى ضاحية ببرلين تكتظ بالعرب والأتراك للمؤرخ كارل روسل تحت عنوان "العالم الثالث فى الحرب العالمية الثانية "إلا أن المعرض ألغى بسبب الغضب الذى سببه للكثيرين، حيث يحتوى المعرض على جزء صغير يروى عن التواطؤ العربى فى جرائم النازية، ويوضح الكاتب أن روسل أخبره بأنه فيليبا إبينيه مديرة المركز الذى كان من المفترض أن يرعى المعرض، والتى أمرت بإلغائه، لا تريد لزوار مركزها أن يعلموا أن الزعيم الفلسطينى كان واحدا من أسوأ الفاشيين المتعصبين والمعادين للسامية.
وينقل الكاتب عن روسل أن ما حدث هو مثال نموذجى على كيف أن المؤرخين الألمان والعرب والعلماء المسلمين ينكرون أو يقللون من شأن التعاون العربى مع النازية، ويرى الكاتب أن ما قاله روسل ينطبق على معظم العالم الغربى، حيث يزعم أن تحالف المفتى بهتلر أفقده مصداقيته فى المنطقة فيما بعد.
ويضيف الكاتب أن أثناء الحرب العالمية الثانية كان النازيون يلقون شعبية كبيرة فى الشرق الأوسط حتى أن المئات منهم وجد فى العالم العربى ملاذا بعد الحرب، ومنهم نائب وزير الخارجية إليوس برونر الذى فر إلى دمشق، وقد أصبح مجرمو الحرب الألمان موثوقا بهم عسكريا، كما عملوا كمستشارين أمنيين فى المنطقة خاصة لهؤلاء الذين هم متعاطفون مع النازية مثل جمال عبد الناصر الذى أصبح فيما بعد رئيسا لمصر، كما أن المفتى الحسينى نفسه قد هرب إلى مصر فى 1946.
ويؤكد الكاتب على أن التعاون العربى مع النازية لم يكن أيديولوجية مفترضة من جانب البعض بل هو أمر واقعى بالفعل وتنطلق من القول المأثور "عدو عدوى هو صديقى"، مشيرا إلى أن سموم المفتى وأتباعه المعادية للسامية لاتزال تسمم عقول كثير من المسلمين حتى يومنا هذا.
ويعتبر الباحث الألمانى ماتياس كونتزل أن المفتى اخترع شكلا جديدا من أشكال كراهية اليهود من خلال إعادة صياغتها فى قالب إسلامى، مضيفا أن قيام المفتى بخلط معاداة السامية على النمط الأوروبى وبخاصة أعمال الإبادة الجماعية المتنوعة مع وجهات النظر القرآنية للشر اليهودى قد أصبحت السمة المميزة للإسلاميين فى جميع أنحاء العالم من تنظيم القاعدة حتى حماس وحزب الله.
ويذكر الباحث أن خلال فترة وجود المفتى الحسينى فى برلين، كان يقود برنامج إذاعى دعائى للنازية يبث باللغة العربية، والذى كان يحرض المسلمين فى الشرق الأوسط على قتل اليهود، حيث يجدوهم، مؤكدا أن هذا يرضى الله والتاريخ والدين.
وفى هذا الصدد ينقل الكاتب عن السيرة الذاتية للزعيم الإيرانى الخمينى والتى كتبها عنه أمير طاهرى، أن من بين العديد من مستمعى هذه الإذاعة كان هذا الرجل الذى عرف فى وقت لاحق باسم آية الله الخمينى، الذى اعتاد على الاستماع لإذاعة برلين كل مساء، ويقول الكاتب إن محمود أحمدى نجاد هو تلميذ الخمينى الذى لا يزال ينفث السم ذاته الذى دسه المفتى الحسينى كما يفعل دعاة الكراهية المسلمين فى جميع أنحاء العالم.
ويختتم الكاتب مقاله مؤكدا على أن كراهية المسلمين لليهود ليست رد فعل للصراع فى الشرق الأوسط، فالصراع هو أحد الأسباب وليس السبب الرئيسى، إذ أن تأجيج الرفض العربى للدولة اليهودية ولد قبل وقت طويل من إقامة إسرائيل.
