الصحفية اليمنية منى صفوان تكتب: مصر كبرت واتحجبت

الجمعة، 25 سبتمبر 2009 09:17 م
الصحفية اليمنية منى صفوان تكتب: مصر كبرت واتحجبت صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ربما لم تعد تصدمك شوارع مصر، بتزايد أعداد المحجبات سنويا، ولكن قد تدهشك الطريقة المصرية فى الحجاب! هذا الاندهاش فقط مرهون إن لم تكن من ساكنى مصر، ومعتاد على كل ما فيها، ومستوى الاندهاش يقل إن كنت من زوارها الدائمين.

ومن أسباب زيادة ظاهرة الحجاب هو عدم التعامل معها باندهاش، وفقدان الاندهاش لواحدة من أهم الظواهر الثقافية – الاجتماعية العربية تسمح لكثير من مشاكلنا أن تمر، ولو مرت فنحن لن نمر، وسنقف طويلا وربما للأبد.

" الحجاب" ليس هو مجرد غطاء للرأس تضعه النساء، وهو ليس مسألة شخصية، أو مجرد خيار ذاتى، بل يمكنه أن يكون أيضا طريقة جديدة فى التأثير فى القرار السياسى، وثقافة يمكنها أن تفسر الكثير من الظواهر الاجتماعية، وإلى أين يسير النشاط الاقتصادى لأى مجتمع. فطريقة ارتدائه للملابس ومنها الحجاب، تعبر عن الطريقة التى يفكر بها هذا المجتمع.

الحجاب فى مصر، اعتبر منذ سنوات دخيلا، ومنذ بداية التسعينيات عندما بدأ تسجيل ظهوره العلنى فى أكثر المجتمعات العربية انفتاحا، وفى أهمها ريادة، عبر عن الثقافة الجديدة التى كانت تمشى ببطء، ثقافة دخيلة لأنها فقط لم تكن وليدة الحراك الاجتماعى أو الثقافى وسواء كانت صحيحة أم خاطئة فإنه يكفى أن تكون قادمة من الخارج، لتكون غير ملائمة.

الحجاب، أو السفور، ليس هو نقطة الجدل، ولكن طريقته والرمز الدال عليه هو الأهم، و"الحجاب المصرى" مختلف تماما عن أى حجاب آخر، وهو فى الأول والآخر ليس أكثر من قطعة قماش توضع على الرأس، بأى كيفية كانت، ولكن معناه الثقافى والاجتماعى وبعده الدينى، يجعل قطة القماش هذه مهمة جدا.

المعنى الاجتماعى يتعلق بوضع المرأة العام وبعملها، ونوعية العمل، بالاختلاط بالرجال ونوعية الاختلاط، بالعلاقات ونوعية العلاقات، بالأنشطة والهويات، بالتفاعل العام والاحتكاك، وبطرق التعبير وبالتواجد فى الشارع المصرى. تواجد بنات مصر قوى، ومؤثر، ولعل دخول الحجاب لم يف بمهمة عزل المصريات، لذا استطاعت بنات مصر تطويع الحجاب لصالحهن على الطريقة المصرية، فما حدث أنهن هن من غزين الحجاب، وليس هو من غزاهن!

وهنا يجتاز المجتمع المصرى اختبار الريادة، ويثبت أنه لا يزال مجتمع قادر عليها، ويحتكم لثقافة تأثير لا تأثر، غير أنه يقف فى منطقة الصراع حاليا ومنفردا، لذا فحسمه للصراع هو ضمان وصول تأثيره الحقيقى.

وإن كان تأثير دخول الحجاب جاء بعد عودة المغتربين فى المجتمع الخليج وبالذات السعودى، وزيادة عدد المغتربين جاء لظروف اقتصادية دمجت بين ثقافتين مختلفتين، فبعد سنوات كان نتاج هذه الثقافة فتاه تربط إيشاربا أنيقا على رأسها وتلبس البنطلون الجينز الضيق والبلوزة المخصرة القصيرة.

لكن المدهش أنه أصبح هناك الآن 17% من المصريات منتقبات والنقاب هو الثقافة المذهلة التى لا يزال المصريون مندهشين لها بل ويستنكرونها "لحد الآن على الأقل!!"، فعادة ما ينغمس المجتمع بهمومه اليومية ومعضلاته السياسية الكبرى. ويغض بصره مثلا عن غطاء الوجه الذى لا يمت لمصر بصلة، حتى أن بعض فقهاء الأزهر أعلنوا رفضهم له، وهذا الرفض الفقهى والاجتماعى لم يمنع أن ينتقب جزء من وجه مصر.

هنا يظهر تأثير الدين السعودى، بعد تأثير الإعلام السعودى، والاقتصاد السعودى.
"الدين المصرى" دخل أكثر من مرة فى مواجهة شرسة أمام "الدين السعودى" وفى مسألة النقاب، فقهاء وفقيهات الأزهر يدافعون بضراوة عن الخصوصية المصرية التى أعطت بعدا أكثر سهولة وشعبية للدين، بعكس الطريقة السعودية المغالية فى أمور بالغة التفاصيل وتخص المرأة، وكانت المرأة هى العراك الذى إن كسبه أى من الطرفين كسب كل المعارك.

لم تحمل المصريات بحجابهن بعد أكثر للمد الثقافى السعودى من مجرد حاجة وقتية حتى أنه صار عليهن شكل من أشكال "النيولوك" وطريقة معاصرة للأنيقات الشابات فى إظهار مفاتن وجمال أكثر من دوره لتغطيهن وهى طريقة تحايل ذكية تعتمد على ثقافة حياتية بسيطة، لكن أمام ذكاء المصريات وطريقة المصريين فى تبسيط الأمور، صار الحجاب المصرى بسيطا وتنسى أنك فى شارع محجب وسط مظاهر لا تبدو فى بعضها منسجما وفكرة وثقافة الحجاب، فوسط الشارع المصرى أيضا ظلت شوارع مصر محتفظة بطريقتها فى تقبل النساء وفى مضايقتهن أيضا، ورغم زيادة حالات التحرش إلا أن هذا لم يمنع الفتيات والنساء من الخروج والعمل والنشاط، والتواجد القوى للمصريات فى واحد من أهم المجتمعات الريادية، إن لم يكن أهمها على الإطلاق يشكل صمام أمان للمجتمعات العربية الأخرى الواقعة تحت تأثير المد السعودى. غير أن تأثير ثقافة الانفتاح تتخاذل أمام الامتداد الواسع لثقافة الإقصاء والانغلاق حتى فى مصر نفسها.

وبرغم أن مصر الكبيرة أصلا يزداد ثقلها الثقافى والإعلامى وتكبر سكانيا، ووسط المنافسة الحادة من الإعلام الخليجى إلا أن موروثها وثقلها السياسى وتاريخها المعاصر ما زال يشكل الثقل الأكبر فى كبرها، واحتمال أن تأثيرها خارج مصر قل كثيرا منذ عقود هو احتمال قائم.

فمقاطعة مصر سياسيا وهو القرار العربى الموحد الذى نظر له كقرار أخرق بعد ذلك، علم مصر أن تكتفى بنفسها، وسمح لثقافات أخرى بمغازلة المجتمعات المجاورة ثم شجع هذه الثقافات بمغازلة مصر شخصيا، بل محاولة إقامة علاقة معها مع استبعاد فكرة السيطرة عليها، لذا راج صيت الاقتصاد والإعلام المشترك والتزاوج بين ثقافتين نقيضتين وهذا ليس من شأنه أن ينبئ عن أى تفاؤل فى صالح أى طرف.

وتبقى محاولة السيطرة على مصر ثقافيا محاولة مشروعة من ثقافة أخرى تجد أن كيان مصر الثقافى ورمزها للانفتاح الاجتماعى يهدد هذا الثقافة، وذاك المجتمع الذى لو فقد سيطرته الدينية لعنى ذلك انهياره وزواله السياسى. لذا عليه الدفاع عن بقائه السياسى والأيديولوجى بتعزيز بقاء ثقافته بطريقة إضعاف الثقافات والأيدلوجيات المختلفة، ليضمن بقاءه، لذا ليس من مصلحته مثلا بقاء ثقافة منفتحة ومختلفة عنه أيديولوجيا كما كان فى اليمن الجنوبى المنفتح اجتماعيا أيام الاشتراكين، وليس من صالحه أيضا أن يبقى اليمن القريب جغرافيا محتفظا بنمطه الاجتماعى الأقل تعصبا، لذا أمكن السيطرة على مجتمع كاليمن، وعلى اقتصاده، وفقد مجتمع اليمنيين السيطرة على نفسه. فمن أسباب الرجعية المنتشرة فى العالم العربى أن مجتمعا رياديا كمصر يكبر وينغلق على نفسه.

وفى تخلى مجتمع كبير وريادى كالمصرى، عن دوره وانغماسه فى معضلاته وارتدائه للحجاب الثقافى، والاكتفاء بما يمكن وصوله أو نفاذه بسبب صيت الإعلام والفن المصرى القوى، يكون على حداثى العالم العربى العمل منفردين، ومستسلمين لثقافة رجعية تعتمد على سطوة الدين، وإغراء المال.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة