فى الحادى والثلاثين من مايو الماضى، كتبت مقالا بعنوان "ليه كده يا فاروق"، عتبت فيه على الوزير المصرى فاروق حسنى اعتذاره لليهود عبر صحيفة فرنسية، وقلت إن هذا الاعتذار وحده ليس كافيا للوصول إلى اليونيسكو ..وإن ثمن الوصول إلى المنصب أكبر من الاعتذار...
أما وقد فشل الوزير المصرى الذى وضعت القيادة السياسية كل ثقلها خلفه، فقد آن الأوان لكى نفتح ملف علاقاتنا الخارجية بطريقة أكثر واقعية.
فعلى الرغم من الضجيج الصحفى الذى تثيره الصحف القومية حول دور مصر الريادى وتأثيرها المحلى والإقليمى والعالمى، وعلى الرغم من تصريحات وزير الخارجية التى تبدو واثقة أكثر من اللازم، فإن الواقع السياسى يقول بأن مصر ليس لها "دلال" على أحد وليس لها "كلمة" على أحد وليس لها "خاطر" عند أحد، لا فى أوروبا الموحدة ولا أوروبا الشرقية ولا حتى الدول العربية والإسلامية، وإلا فلماذا خسر الوزير صوتين من أصوات المرحلة الرابعة فى الجولة الخامسة لتفوز امرأة بلغارية قادمة من دولة شيوعية لم يعرف عنها حرية الصحافة ولا حقوق الإنسان إلا منذ عدة سنوات لا تعد على أصابع اليد الواحدة، بعد انهيار نظامها الشيوعى.
فاروق حسنى أعتقد أنه فاز فى الجولة الرابعة فنقل عنه قوله "إن الجنوب وجه لطمة قاسية للشمال"، وهو تصريح لو صح لبين للجميع أن الوزير لم يكن دبلوماسيا، وأنه دخل معركة اليونسكو لتحقيق انتصار "شبه عسكرى"، وهو ما لايمكن التسامح معه خصوصا وأن أمريكا أفصحت عن موقفها من المرشح المصرى مبكرا .
الدبلوماسية المصرية وصحافة الحزب الوطنى القومية تعاملت مع القضية وكأن نجاح فاروق حسنى أمرا مقضيا، وبالتالى تحدثت عن دور الرئيس مبارك فى نجاح فاروق المزعوم، وهذا وهم وسراب باعوه للمواطنين وبالطبع لن يعتذروا عنه مثلما لم يعتذر فاروق للشعب المصرى على أخطائه على كثرتها.
والحديث عن دور أمريكا العنصرى ضد فاروق حسنى هو ترويج لبضاعة فاسدة مرة أخرى، إذ إن الدبلوماسية المصرية وصحافتها التابعة لها لطالما روجت لعلاقتنا القوية مع أمريكا ولطالما تحدثت عن دور مصر الإقليمى والعالمى ولطالما كتب كتابها عن أمجاد الدبلوماسية المصرية، وعن الصفحة الجديدة فى العلاقات مع أمريكا التى بدأت بزيارة الرئيس مبارك إلى أمريكا مؤخرا، وأتساءل عن مدى قوة هذه العلاقة فى ظل وقوف أمريكا "الصديقة" ضد مرشحنا العتيد فاروق حسنى؟ الإجابة الطبيعية هى أن علاقتنا بأمريكا ليست علاقة ندية ولا علاقتنا بفرنسا أو أوربا فيها " ريحة الندية" بل علاقة وظيفية تقوم على دور تقوم به مصر لصالح تلك الدول مقابل دعم النظام، وأنه يتعين على مصر ألا تحلم بدور أكبر على المستوى الإقليمى أو الدولى.
فشل فاروق فى انتخابات اليونسكو ليس مفاجأة لأحد تماما كما فشلت الدبلوماسية المصرية فى الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار أو إعمار غزة، أو الاتفاق بين الفلسطينيين بعد مرور قرابة عام على انتهاء الحرب على غزة ، أو وقف التمدد الإسرائيلى فى أفريقيا أو الوصول إلى اتفاقية بخصوص نهر النيل! حتى أن مصر قد فشلت فى أن يكون مرشحها رئيسا للبرلمان العربى لصالح امرأة ليبية!
فاروق حسنى وزير معمر لم يترك خلفه تراثا ثقافيا يفتخر به أحد رغم أنه شغل منصب وزير الثقافة، وهو ليس بدعا من الوزراء فمعظمهم جيء بهم ليؤدوا دورا فى خدمة النظام وليس فى خدمة البلاد.
لاتلوموا أمريكا على تصديها لفاروق حسنى بل لوموا من روجوا لنا أن أمريكا بلد صديق ورفيق، وقديما قالوا "الصديق وقت الضيق"..معلش يا فاروق.
آخر السطر
أعتقد أنه يتعين على فاروق الاستقالة من منصبه كما وعد، وأخشى أن نفاجأ بأنه ترك وزارة الثقافة ليحتل منصب الخارجية بحجة أنه اكتسب خبرة كبيرة أثناء انتخابات اليونسكو.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة