فى السادس من أكتوبر من عام 1973، وعمرى أحد عشر عاما، سمعت لأول مرة عن العينة السخنة، فى البيان الأول لحرب أكتوبر، والذى ذكر أن العدو الإسرائيلى قام بالاعتداء على قواتنا المسلحة فى منطقتى الزعفرانة والسخنة، وتقوم قواتنا المسلحة بالتصدى لهذا الهجوم.
بالطبع لم تتعرض قواتنا إلى هجوم لكنه كان بيانا تمهيديا تم بثه للعالم بينما كانت قواتنا المسلحة قد عبرت قناة السويس على طول القناة، ومن عدة مواقع ونصبت رؤوس جسور على الشاطئ الشرقى وبدأ تدفق عشرات الآلاف من الأبطال إلى أرض سيناء تمهيدا لتحريرها من الدنس الإسرائيلى، وصناعة أهم أسطورة مصرية فى العصر الحديث، لم يتصورها أحد وفاجأت العالم وغيرت الكثير فى العلوم العسكرية.
بعد عشر سنوات وتحديدا فى عام 1983 وخلال دراستى الجامعية زرت العين السخنة لأول مرة فى حياتى، مجرد شاطئ بكر، وتحذيرات من الألغام الباقية من مخلفات الحروب السابقة، وذكرى صديق مهندس دفع حياته ثمنا للغم انفجر فيه فى هذه المنطقة.
وبعد عشرة أعوام وتحديدا فى عام 1993 دعانى صديق لقضاء عدة أيام فى شاليه يمتلكه فى قرية سياحية تقريبا كانت الوحيدة فى العين السخنة، وأتذكر أننى لم أحظ فى حياتى بإجازة فى مكان رائع كهذا لكن المشكلة الكبيرة كانت هى عدم وصول الإرسال الإذاعى والتليفزيونى، بينما كانت قنوات التليفزيون الإسرائيلى واضحة جدا، وشعرت أن آثار الحرب لم تنته بعد لأن تليفزيوننا الوطنى لا يزال بعيدا عن أرض مصرية.
العام الماضى عدت لزيارة العين السخنة للمرة الثالثة فى حياتى ووجدت صورة مختلفة تماما عما رأيت فى عام 1983، فالقرية السياحية الوحيدة تحولت إلى عشرات القرى، أما الطريق من العين السخنة إلى الغردقة فقد ازدحم هو الآخر بالمنشآت، ولم تعد البحر الأحمر ولا السويس مناطق نائية أو خالية من العمران أو البشر.
تذكرت حين ذهب والدى للعمل فى البحر الأحمر فى عام 1971 وكانت منطقة عسكرية مغلقة لا يدخلها المصريون، ويتوجب عليه الحصول على تصريح من المخابرات للذهاب للعمل، أما السويس والإسماعيلية وبورسعيد، فكانت خالية من سكانها الذين تم تهجيرهم، ولم يعد باقيا فى مدن القناة سوى عدد محدود من البشر، والقليل من الموظفين، وكتائب الفدائيين التى أقلقت العدو الإسرائيلى وكانت تعبر إلى سيناء فى مراكب بدائية وتقوم بعمليات فدائية ضد قوات الاحتلال.
عاد سكان القناة إلى مدنهم، وامتدت حركة التعمير إلى سيناء والبحر الأحمر، وولد العديد من فرص العمل الجديدة، لكن الأرباح الكبيرة ذهبت إلى جيوب عدد قليل من المستثمريين السياحيين الذين حصلوا على الأراضى بملاليم وربحوا الملايين سواء بالمتاجرة بالأراضى أو عبر استثمارها فى منشآت سياحية.
هكذا هى الحروب فى كل أنحاء العالم يدفع ثمنها المواطنون العاديون والاقصاديات الوطنية.. بينما يجنى ثمارها بعض الناس الذين جرى تعريفهم باسم أغنياء الحرب.. وهم فى مصر كثيرون؛ بينما التنمية المفترضة لمنطقة مثل سيناء التى عانت ويلات الحروب والغزاة على مدار التاريخ لا تزال تسير بسرعة السلحفاة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة