ناهد إمام

كان نفسى أتكلم معاه

الأربعاء، 02 سبتمبر 2009 01:35 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عندما يغيب الموت كاتبا صحفيا فإنه يغيب حاملا لرسالة، كان يقرأ ويتابع ويحلل ويفكر ويرشد وينصح و..، عندما يفعلها الموت فإنه ينزع روح حامل الهم ومنير الدرب ليتركك فى همّ الفراق وهمّ الظلمة، وهمّ معاناة "المعافرة" مع من ينزعون روحك كل يوم وكل ساعة بدون أن يجدوا من يقول لهم وبحس عال قوى مدرك.. لا.
مساء أول أمس الاثنين فوجئت باتصال تليفونى فى ساعة متأخرة من الليل من أحد نجوم صفحة احكوا التى تحكى على صفحات اليوم السابع الورقية عن المصريين البسطاء العظماء الذين يحلمون ويعافرون لتحقيق أحلامهم، إنه عم حسن النحات الذى يحلم بأن ينحت تمثالا فى حب مصر والذى نشرنا حكايته فى العدد الحالى الذى هو بالأسواق، فوجئت بعم حسن يقول لى عبر الهاتف: البقية فى حياتك يا أبلة، سمعنا فى البيت بيتك أن الأستاذ محمود عوض رئيس تحرير الجريدة توفى، البقاء لله، شدوا حيلكم، بس يا ترى ح تعملوا إيه، أوعوا تقفلوا الجريدة!!
بالطبع تقبلت عزاء عم حسن وصححت له معلومة أن كاتبنا الكبير لم يكن رئيس تحرير الجريدة، فأردف قائلاً: معقولة، ده أنا من يوم ما عرفت الجريدة فاكره رئيس التحرير علشان صورته ومقاله الكبير على صفحة بحالها!
طيبة الرجل الذى لا يجيد القراءة والكتابة ربما تحملك على الابتسام، ولكننى شعرت أيضاً بأنه عسى أن نكون قد وفينا كاتبنا فى جريدتنا بعضاً مما يستحق.

بعد مكالمة العزاء من عم حسن تذكرت بعض كتابات الراحل التى تابعتها متأخراً، والتى كانت محاولات مستميتة لرفع ظلم هنا أو شد أزر هناك لأمثال هؤلاء الطيبين من المصريين.
ثم انتبهت أسأل نفسى: "ومن أنا حتى يعزينى عم حسن فى محمود عوض؟"، وتذكرت أننى رأيته مرة واحدة فقط فى حفل إطلاق جريدتى بقصر البارون بمصر الجديدة، وتذكرت أنه كانت لى أمنية وهى أن أجلس إليه وأتكلم معه، لأسأله كيف انتصر على نفسه الصحفية اللوامة واكتفى بدفء الموهبة بدون أن يشعر أنه مغبون أو أنه محروم؟
كيف اغتنى بنفسه وقلمه وزهد فى أن ينتسب إلى صيت مؤسسة ما، وهو ما يلهث خلفه الكثيرون؟
وفى كتاباته.. كيف يسرب النصح ويسرب الرأى فنتبناه ثم ندعو إليه؟
كيف كان شاهداً على كل تلك العصور بدون أن يتلون أو يتلوث، أو يذوب؟
كيف كان يغزل من الأفكار كلمات، ومن الكلمات أفكار ومسارات، فتقرأ له السطور وما بين السطور وفوقها وحشوها؟
كيف كان يكتب كلمات تغذيك فتكبر، وتنمى عقلك فتسود بين الناس، كلمات تجعلك تفكر فتتغير؟
كانت لدىّ أسئلة كثيرة عزّ عليا زمانى أن يترك لى فسحة من عمر، وقطعة من وقت، أجد لها عنده إجابات، نحن جيل الوسط الذى حرم من الجلوس إلى شيوخ المهنة لأسباب معروفة وأخرى غير معروفة.

وهكذا لم يتبق لى سوى شكرً عم حسن على أن جعلنى أنل شرف تلقى عزاء فى محمود عوض.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة