نقلاً عن العدد الأسبوعى
لماذا تم اختصار الإسلام كله فى الشيخ أبوإسحاق الحوينى والشيخ محمد حسين يعقوب والشيخ محمد حسان ومن معهم من كبار مشايخ السلف فى مصر؟ لماذا تحولت عدة سطور تبحث تلك الظاهرة التى تطل علينا كل يوم عشرات المرات على فضائيات الناس ومشكاة الأنوار والحكمة والرحمة إلى كونها مؤامرة على الإسلام والمسلمين؟ لماذا وصف القراء المتدينون الذين تعلموا على يد مشايخ السلف ويتفاخرون بالتزامهم كاتبا طرح عدة تساؤلات عن طبيعة الوجود السلفى الوهابى السعودى فى مصر، وتأثير تشدده وتطرفه على الحياة فى مصر بشكل عام بأنه زنديق وسكير وخمورجى ولم يقرب سجادة الصلاة قط، بل تم تجريده من إسلامه والقسم بأغلظ الأيمان أنه ليس مسلما ومتخف خلف اسم محمد رغم أن واحدا منهم لم يكلف نفسه عناء الهدوء والتروى قبل أن يرد أو يعلق ولا يعلم أى شئ عن الكاتب.. هل علمهم المشايخ أن اتهام الناس بالباطل حلال؟
الأسئلة السابقة ضرورية جدا قبل البداية لأنها تكشف بوضوح وللمرة الثانية على التوالى كيف يفكر رواد المدرسة السلفية الوهابية، وتحدد وبوضوح مقدار السماحة التى أوصانا بها نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فى قلوبهم، كما أنها تقدم نتيجة واضحة لا لبس فيها ولا غموض لعقول قضت سنوات طويلة تستمع لما يلقى به الشيخ الحوينى وحسان ويعقوب ومسعد أنور من خطب ودروس وتعاليم، قلنا سابقا إنها بكل تأكيد تختلف عن دين الرحمة والسماحة والعقل الذى جاء به النبى صلى الله عليه وسلم.
كل ردود الفعل اتسمت بحالة من العنف اللفظى بتنوع ما بين شتائم ودعوات بالشلل والفقر وتهديدات بالضرب أو الهرس على حد قول أحدهم تحت عجلات سيارة مسرعة.. كل هذا العنف اللفظى، وكل هذا الضيق بالنقد والاختلاف لم يأت من فراغ بل هو نتاج تعاليم وفتاوى هؤلاء المشايخ الذين لم نتهم أحدهم فى شخصه أو نسأل من أين جاءتهم هذه الملايين إن كانوا لا يتقاضون أجرا على دعوتهم؟ بل كان كل ما فعلناه أننا طرحنا عدة تساؤلات عن طبيعة تواجد هؤلاء بهذه الكثافة على شاشات الفضائيات المختلفة، واستنكرنا هجومهم العنيف الدائم على مشايخ الأزهر والدعاة الجدد، وتقليلهم لقيمة العلم الدنيوى واعتمادهم مبدأ الترهيب الذى ساهم بشكل كبير فى تشويه صورة الإسلام لدى الغرب، كان كل مافعلناه أننا طلبنا منهم أن يكفوا عن تصدير الإسلام بهذه الصورة اللى كلها عذاب ونار وآثام ورفض للآخر، وخوف من كل ماهو جديد، بالإضافة إلى طرح مخاوفنا من تأثير هذه التعاليم على جموع الشباب الذى بدأ يفضل العزلة عن المجتمع والدنيا من أجل أن يلحق بالآخرة كما وعده مشايخ السلف وكما وعدته الشاشة الذى يخطب عليها مشايخ السلف أيضا.
وبعد ما نشرناه فى العدد قبل الماضى عن كبار مشايخ السلف ومدى تأثيرهم على المجتمع المصرى، لم يعد الخوف والتحذيرات من نتاج منهج الشيخ أبوإسحاق الحوينى وحسين يعقوب وحسان وغيرهم، مجرد هواجس أو تخمينات، خاصة بعد أن ظهرت العينة فى ردود الأفعال اللفظية العنيفة، بل لم يعد الأمر مجرد مخاوف أو تحذيرات خاصة، بعد أن جاءت اعترافات المتهمين فى القضية المعروفة إعلاميا بخلية الزيتون، والمتهم فيها شباب بقتل وإصابة خمسة أثناء سطو مسلح على محل جواهرجى مسيحى فى منطقة الزيتون، لتؤكد أن تأثير مشايخ السلف قد يتعدى ما هو أكثر من العنف اللفظى، فقد كشفت التحقيقات أن أحد المتهمين ويدعى «محمد حسن عبدالعاطى» قد اعترف أنه كان دائم الحضور لدروس الشيخ ياسر البرهامى وهو أحد كبار مشايخ السلف بالإسكندرية، أما المتهم الثانى «مصطفى السيد» فقد أكد فى اعترافاته للنيابة أنه تأثر فى تحركاته هذه بالخطب الدينية لشيوخ السلفية البارزين مثل أبوإسحاق الحوينى والشيخ محمد حسان والشيخ محمد حسين يعقوب وكان يحرص على الصلاة وحضور الدروس فى مسجد الجمعية الشرعية ومسجد العزيز بالله بالزيتون وهو أحد أشهر وأهم المساجد السلفية فى مصر.
إذن بات الأمر واضحا.. هذا هو تأثير مشايخ السلف، هذا هو ما تجنيه مصر من التعاليم الوهابية بتشددها وتطرفها، اعترافات واضحة وصريحة تؤكد أنها تعلمت دينها وإسلامها على يد الشيخ الحوينى ورفاقه وأنها قتلت وسرقت وكانت تستعد للهجوم على المزيد من محلات الجواهرجية الأقباط بناء على هذه التعاليم والفتاوى.. فهل يتبقى لأحد بعد هذه الإعترافات شك فى أن هذه التعاليم التى تحمل الختم السعودى، تمثل الخطر الحقيقى على مصر وعلى شبابها بوجه خاص، حتى لو قال المشايخ أنفسهم إن هذا لم يكن مقصدهم من الدروس التى يتلونها فى المساجد، هل يمكن لأحد أن يتجرأ وأن يفصل بين هذا العنف اللفظى الذى هاجمنا فى «اليوم السابع» لأننا تجرأنا وكتبنا عن مشايخ السلف؟ بالتأكيد لا يمكن لأحد أن يفصل، لأن الأفعال هنا سواء كانت لفظية كما فى حالة ردود الفعل على ما كتبناه عن مشايخ السلف، أو فعلية كما حدث فى محل جواهرجى الزيتون هى نتاج تعاليم هؤلاء المشايخ الذين يعصمهم الناس من الخطأ ويضعونهم فى مرتبة الأنبياء الذين لايجوز نقدهم أو التعرض لهم.
هل بعد هذا الاعتراف الوارد فى تحقيقات النيابة وبعد كل هذه التعليقات العنيفة على موقع «اليوم السابع» الإلكترونى يحق لأحد من السادة مريدى المشايخ الكرام أن يتهمنا أننا نتكلم عنهم بغير دليل؟ أو أننا نهاجم الإسلام ونتآمر عليه لمجرد أننا قلنا إن تعاليم ديننا الحنيف ليست بهذا التشدد أو التطرف الذى يروجه مشايخ السلف؟ هل تريدون دلائل أخرى على ما يروجه هؤلاء المشايخ من أفكار تصنع التطرف وتعزل نصف شباب البلد عن الحياة تماما، وتعود بمصر مئات السنين إلى الوراء.. إذا كنت تريد، تعال نبدأ بتحريض الشيخ أبوإسحاق الحوينى وتشجيعه لتعدد الزوجات، طبعا نحن لسنا ضد ماحلله الشرع وذكره القرآن، ولكن ضد منطق الشيخ الذى روج لتعدد الزوجات وحرض عليه على طريقة باعة الأسواق، وكانت أسبابه لذلك ثلاثة، الأخير فيها هو العجب العجاب بعينه.. السبب الأول لتشجيع الحوينى لتعدد الزوجات كان ضمان عفة النساء المسلمات على اعتبار أنه لاضمان للعفة فى المجتمع إلا إذا تزوج الرجل أربعا، أما السبب الثانى فيتعلق بضرورة أن يتزوج المسلم أربعا حتى يضمن أن يزيد نسل المسلمين ليتفوق على نسل اليهود والنصارى، أما السبب الثالث والعجيب فقد دعا فيه الشيخ الحوينى المرأة المسلمة إلى ضرورة أن تحب لأختها ما تحبه لنفسها وتحض زوجها على الزواج مرة أخرى على اعتبار أن تشجيع الزوجة لزوجها على الزواج بثلاث غيرها هو أهم باب لجهاد النساء.. نعم هكذا قال الشيخ الحوينى وهذا هو الجهاد النسائى فى وجهة نظره.. والكلام موجود على موقعه الإلكترونى!
لم تنته تعاليم أبوإسحاق الحوينى بعد، فالكلام الذى قاله الرجل فى حوار لمجلة الفرقان أثناء زيارته للكويت ربما كان هو نفس الكلام الذى سمعه الشباب الذين قتلوا جواهرجى الزيتون، الشيخ أبوإسحاق ياسيدى قال فى حواره: (من المؤسف حقاً أن تكون هنالك توصيات من وزارات مثل وزارة الأوقاف فى مصر بضرورة الحديث والخطابة عن الدعوة الحسنة.. وأن الإسلام دين السماحة لا دين الإرهاب.. وهذا حق أريد به باطل، فلا يمنع أن يكون الإسلام دين السلام والسماحة أن تكون له شوكة.. ولا يتصور أن يقتصر الحديث عن الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وكأنه لا يوجد فى القرآن إلا هذه الآية). وقال فى نفس الحوار إن هجوم الأمريكان على العراق وأفغانستان أهون عنده من أن يهاجم أحد كتب البخارى ومسلم أو يدعو إلى إعادة تنقيته وتحقيقها.
وفى نفس الحوار الذى كان توقيته سابقا لهوجة ظهور مشايخ السلف على الفضائيات قال الشيخ الحوينى عبارة لو دلت على شىء، لن تدل سوى على مهارة هؤلاء المشايخ فى اللعب على الجمهور، فحينما سألوا الشيخ عن ظهور المشايخ على الفضائيات وإن كان فيه خير أم لا قال: (ينبغى على الداعية إذا وجد ثغرة أو فرصة للإعلام وإبلاغ الدين أن يستغلها طالما يستطيع أن يؤدى دوره ويصل إلى الجماهير لا يقصر فى ذلك، على الرغم من رأيى المخالف شخصياً لذلك فى أننى لا أرى المشاركة شخصياً فى الفضائيات، لأنها فى اعتقادى تقلل من هيبة العالم وحشمته مع كثرة الظهور).. فهل يعنى كلام الشيخ أن الشيخ محمد حسان والشيخ حسين يعقوب والشيخ محمود المصرى الذين يظهر الواحد منهم فى الأسبوع أكثر من مرة على شاشات مختلفة مشايخ بلا هيبة ولا حشمة؟
دعك من الكلام العام وتعال نرى رأى الشيخ الحوينى فى أزمة محددة ولتكن مثلا أزمة الحجاب فى فرنسا التى دافع فيها العالم كله عن حق المرأة المسلمة فى ارتداء حجابها، وأثارت المرأة المسلمة إعجاب الجميع فى العالم بتمسكها بحجابها ودينها أمام سطوة القانون الفرنسى، ترى ماذا كان رأى الشيخ الحوينى؟ فضيلة الشيخ جاب من الآخر وعبر عن رؤية السلف الحقيقية للمرأة، حينما قال إن المرأة المسلمة ليست مضطرة لدخول المدارس فى فرنسا بلاد الكفر.. وبالمناسبة كلام الشيخ موجود على موقعه الرسمى وفى خطبه ودروسه.. بس ركزوا كويس وانتم بتسمعوا قبل ما تركزوا مع دموع البكاء!
هل تريد دلائل أخرى.. إذن تعال نذهب إلى الشيخ محمد حسين يعقوب الذى خصص على موقعه الرسمى جزءا للفتاوى المهمة لحياة الإنسان المسلم، والفتاوى عبارة عن أجوبة لأسئلة أجاب عليها الشيخ مستخدما منهج أو إجابات الشيخين السعوديين الوهابيين ابن باز وابن عثيمين.. السؤال الأول كان عن أعياد الميلاد وهل الاحتفال بها حرام أم حلال؟ وهل تلبية دعوة صديق والذهاب لحفلة حرام أم لا؟ الشيخ يعقوب استخدم لسان الشيخ ابن باز وأجاب قائلا: (دلت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على أن الاحتفال بأعياد الميلاد من البدع المحدثة فى الدين ولا أصل لها فى الشرع المطهر، ولا تجوز إجابة الدعوة إليها، لما فى ذلك من تأييد للبدع والتشجيع عليها) وطبعا أنتم تعرفون بالضرورة أن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار يعنى اللى يحتفل بعيد ميلاد أو حتى يروح عيد ميلاد آثم ومصيره النار إذا لم يتب التوبة النصوحة كما يقول الشيخ.
السؤال الثانى كان أعجوبة الأعاجيب ودليلا واضحا على أن هؤلاء المشايخ أعادونا إلى تلك العصور التى كان التنفس فيها يتم بأمر رجال الدين فى أوروبا، حيث سأل أحدهم الشيخ حول ما إذا كانت العروض التى تقدمها الشركات أو السوبر ماركت على المنتجات حراما أم لا؟ وتفسير السؤال هو يعنى مثلا اللى يشترى زجاجة زيت يحصل على ملعقة هدية أو سائل هدية، أو اللى يشترى 3 بيبسى ياخد واحدة هدية.. الكلام ده حلال ولا حرام؟
اسمع بقى ياسيدى لرد مشايخ السلف على هذا الأمر حيث استخدم الشيخ حسين يعقوب فتوى للشيخ ابن باز ونشرها للإجابة على هذا السؤال على موقعه الرسمى والفتوى تقول: (إن هذا النوع من القمار المحرم شرعا والمؤدى إلى أكل أموال الناس بالباطل، ولما فيه من الإغراء والتسبب فى ترويج سلعته وإكساد سلع الآخرين المماثلة ممن لم يقامروا مثل مقامرته، لذلك هذا العمل محرم، والجائزة التى تحصل عن طريقة محرمة لكونها من الميسر المحرم شرعا وهو القمار).
وبناء على الكلام السابق وغيره من فتاوى المشايخ وآرائهم ستجد أن العالم كله عبارة عن كتل من الحرام، والمسلمون غارقون فى بحور ذنوبه وستجد أن الأفضل هو العودة إلى حياة الصحراء، إنه نوع من البلبلة والاضطراب نشرها هؤلاء المشايخ بأفكارهم كما قال الداعية الأزهرى الشيخ خالد الجندى فى حواره لـ« اليوم السابع »العدد الماضى.. بلبلة جعلت المصرى يخلط بين الداعية والمفتى ولا يعرف الفرق بينهما وذلك أدى إلى ظهور متسولين للدين ونصابين باسمه وظهور الجماعات التى لا حصر لها والتى تطلق على نفسها اسم جماعات سلفية، فأصبحنا نرى الرمز الدينى فى كل شىء، فنجد جواهرجى الصفا والمروة، عصير زمزم، مخبز مكة، محمصة القبة الخضراء، نجد محل العصير يكتب وسقاهم ربهم شرابا طهورا وبتاع الكشرى يكتب كلوا من طيبات ما رزقناكم والحلاق يقول نحن نقص والساعاتى يقول ويسألونك عن الساعة والترزى يكتب وكل شىء فصلناه تفصيلا وكل هذا متاجرة بالدين.. نعم هى متاجرة بالدين.. هذا الدين الحنيف الذى بنى على أسسه الرسول الكريم خير امبراطورية ظهرت على وجه الأرض، ولذلك نحن نرفض هذا الاختصار المخل لديننا الحنيف فى هؤلاء الذين تربعوا على عرش فضائيات الخليج بلحاهم ونقابهم وجلابيبهم القصيرة، لأن مصر وحدها تملك الكثير من علماء ورجال الدين المستنيرين سواء كانوا من خريجى المدرسة الأزهرية أو من غيرها، نحن لدينا رجال دين ينشرون الصورة السمحة للإسلام يرغبون ولايرهبون والقائمة طويلة تبدأ بالشيخ الجليل يوسف القرضاوى وخالد الجندى والشيخ الأزهرى المحترم سالم عبدالجليل والداعية الشاب العاقل معز مسعود وعمرو خالد وغيرهم وغيرهم من أولئك القادرين على انتشالنا من نفق العنف والتشدد والتطرف!
المتهمون فى قضية الزيتون اعترفوا بأنهم نفذوا جريمتهم بناء على ما سمعوه فى خطب مشايخ السلف
هل يمكن أن نتجاهل شيوخا بحجم الدكتور يوسف القرضاوى وخالد الجندى وسالم عبدالجليل ودعاة بذكاء وعلم معز مسعود وعمرو خالد لصالح هؤلاء الذين ينقلون لنا فتاوى التشدد فقط؟
الخميس، 17 سبتمبر 2009 09:22 م
الشيخ خالد الجندى - تصوير ياسر عبدالله
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة