منذ أشهر قليلة وبالتحديد منذ أن بان العزيز "بان كى مون" وصرح بأن تعداد السكان فى ازدياد، منذ هذا التاريخ بدأت تعود إعلانات مشابهة لإعلان فاطمة عيد الشهير"اتنين على كتافى وتلاتة فوج ضهرى والباجى بيجرونى من ديلى وأنا بامشى"، وإعلان آخر لقطاته مأخوذة من فيلم "أفواه وأرانب"، وكلما فتحت مجلة من مجلات المرأة الشهيرة فى مصر تجد إعلانات لتنظيم الأسرة، نداء إلى المرأة باعتبارها المحرّض الأكبر، وأخرى توعوية للرجل على النقيض تماماً من إعلانات وقفة الرجالة إياها، مما يتوقع معه أن يؤدى ذلك إلى حالة من الإرباك والتشويش الفكرى لديهم.. فما هو المطلوب من الرجال بالضبط؟
الغريب أن هذه الحملات التى حفظناها صغارا عن ظهر قلب والتى كانت نتيجتها أننا أصبحنا 80 مليونا – أى أنها نجحت نجاحاً ذريعاً- تعود مرة أخرى لتحاول إقناع الناس بشكل ساذج بتنظيم الأسرة.
وهكذا نثبت كل يوم أننا متمسكون بالثوابت والقيم، فمازال "الإنسان" لدينا عبئاً ومشكلة، وليس طاقة منتجة، علينا أن نفكر كيف ندعمه ونؤهله ونحترم بالأساس إنسانيته ومصريته، كما احترم أناس من كواكب أخرى من قبل يابانيته، وهنديته، وصينيته، وأمريكيته.
"التنمية البشرية لا تتعارض مع عدد السكان"، هكذا يؤمن الناس من أمريكا وحتى الصين إلا نحن، ولا أعرف لماذا فى هذه لا نغار ولا حتى نقلد.
نحن لدينا المرأة الحديدية هى هدى عبد المنعم، وفى أمريكا هى السيدة الأربعينية الجميلة ميشيل التى سحرتها الأمومة – وحق لها أن تسحر فالأمومة فرصة مضمونة لتحقق المرأة إن وعت ذلك - فأنجبت ثمانية عشرة طفلا، وهى الآن حاملأ فى الطفل التاسع عشر، ويحتفى بها وبأسرتها الكبيرة بلا منازع تليفزيون الواقع هناك، يعرضونها كتجربة إيجابية وليس على طريقة "شلبية".
وبالعودة إلى واقعنا نجد أن الأشد غرابة فى الأمر هو أن المجهودات هى بالفعل قائمة وتجرى على كل الأقدام والسيقان، لتنظيم الأسرة المصرية قبل أن يظهر بان كى مون عليه الأمان – بالعافية – وبدون أى إقناع وإنما بالدراع، أى أنه يمكن الاكتفاء بسياسات الدراع وتوفير نفقات هذه الحملات الساذجة للتنظيم.
فتجهيزات الطرق لدينا جعلتنا نتفوق بحمد الله ونحتل المرتبة الأولى عربياً فى نسبة ضحايا حوادث الطرق، كما أن لدينا ارتفاعا مبشرا فى نسبة أعداد المرضى من المصريين كنتيجة طبيعية للتطبيق الدقيق لسياسات المجارى، - انظر وتأمل أعداد مرضى السرطان والفشل الكلوى والكبد وضغط الدم.. إلخ المتزايد والذى تنشر عنه الصحف يومياً- وهناك "أنفلونزا منوعة" إذا فررت من واحدة لاحقتك أختها، وإذا أردت النجاة ستوفر لك الحكومة أمصالا بمبلغ وقدره إذا كنت تملك، أما إذا كنت من إياهم – الأغلبية الفقيرة الصامتة – فالمسئولون يبشرونك وبمنتهى الكرم – لأن إكرام الميت دفنه- بوجود مقابر جماعية.
وهناك طفرة كارثية جيدة أخرى فى نسبة العجز الجنسى لدى الشباب فضلاً عن العنوسة والعزوف عن الزواج أصلاً والذى أصبح بالملايين ومنطقى أنه، مفيش جواز يبقى مفيش خلفة يبقى فيه تنظيم أسرة.. يبقى هيييييييه!
المصريون لا يزالون أيضاً وعلى العام ربما الرابع على التوالى يلفظون أنفاسهم الأخيرة بأعداد لا بأس بها، "تخدّم على التنظيم" فى مشاجرات طوابير العيش فى القاهرة وضواحيها والمحافظات والأقاليم، وضحية جزيرة شندويل فى سوهاج منذ أيام آخرهم، وليس الأخير، فمشاجرات المصريين لم تعد بشأن طوابير العيش وفقط، وإنما أصبح المصريون وبشأن كل شىء تقريباً لا يفكرون.. وإنما.. يتشاجرووون.. يشتموووون.. يلعنووووون... ثم يقتلوووون بعضهم بعضاً، والبعض الآخر يتفرجوووون، فى مشهد شبه يومى منظم.
"التارجت" إذا متحقق وبأساليب مبدعة وافتكاسات مصرية بلا منازع، ناهيك عن حوادث القتل الأسرى الجماعى الأورجينال، وتليها أحكام الإعدامات، وهناك حوادث الثأر التى هى لا زالت "بايته" فى العقول قبل الموروث، وحوادث الفتنة الطائفية، وحوادث القتل بسبب السرقة والمخدرات، فضلاَ عن حالات الانتحار، وهذه كلها مخرجات طبيعية منطقية لتطبيق سياسات الإفقار البديعة، هذا فى الداخل.
أما المصريون فى الخارج فسواء أثروا أم لا، يعيشون بكرامتهم أم لا، تحققوا أم لا فهم لا ينتون العودة، وهم أسوة حسنة لمن هم بالداخل فمعظمهم "بيفكر يهج وبينكش بلا ملل عن أى فرص"، وهناك أيضاً نسبة لا بأس بها مهاجرة شرعية وغير شرعية، ولازال الباقى بالداخل يفكرون برغم الغرق وبرغم الموت، وهكذا الشباب، واعد، ومتعاون، ولديه إصرار ومثابرة على تنظيم الأسرة، بالروح.. وبالدم!
أين المشكلة إذا، وأين هم المصريون الذين نطلب منهم تنظيم الأسرة؟ بل أين هى الأسرة؟!، والأسرة المصرية" الله يمسيها بالخير" هى الأسرة الوحيدة فى العالم التى لا تجد أحداً يهتم بها غير منظمى هذه الحملات.
المصريون يتناقصون، يتعرضون للانقراض، وللتشويه والإعاقات النفسية والجسدية والعقلية، يلقون بأنفسهم فرادى وجماعات إلى التهلكة.. وبافتكاسات مصرية واعدة.. ففيم الحملات؟!، ومشكلاتنا وأزماتنا الحقيقية بلا حملات ولا خطط ولا إنفاق.. فقط لها الله.. لها دعاء الناس الطيبين فى ليلة القدر، أن يرفع الله البلاء، والوباء، والعجز، والفساد، والظلم.. فضلا عن الدعاء الشهير" اللهم أهلك الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين"، فمن هم الظالمون الذين سيهلكهم الله بالظالمين ومن الذين سيخرجون سالمين، وسنة الكون الذى خلقه الله تقول إن الظلم لا يخرج أحدا منه سالماً؟!
ملحوظة
السحابة السوداء على الأبواب.. تشاطركم الأزمات، والحملات، وكل الرسائل السلبية التى تقول للمواطن، أنت لا شىء، أنت لست إضافة، ولست مستحقاً للعناية ولا الالتفات، أنت سبب الأزمات، ويا ريت "تغور" بقى!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة