3 ساعات قضتها السيدة «أمينة» وهى جالسة فى انتظار قرار مجمع البحوث الإسلامية فى البحث الذى قدمته إليهم منذ 4 أسابيع، إلا أن الرد كان رفضا قاطعا لبحثها دون إبداء الأسباب.. «أمينة» لخصت بحثها قائلة لـ «اليوم السابع» بأنها توصلت مؤخراً إلى أن الأسماء فى القرآن لها معان غير التى نعرفها، فآدم مثلاً لو قسمناها إلى جزأين ستكون «أ» و«دم» وتترجم إلى، «لا دم» لأنه أنزل إلى الأرض ليبدأ عصر بلا سفك فى الدماء، كما جاء فى القرآن وليس «آدم» بمعنى التراب كما يقول المفسرون.
حالة هذه السيدة ليست الوحيدة ففى ظل مناخ فكرى ودينى غائم لا تستطيع أن تجتهد مخافة ثلاث تهم جاهزة «تكفير أو تخريف أو تخريب» وجميعها ليس لها عقاب فى أذهان من يوجهونها سوى إهدار الدم، نفس الأمر أيضاً من الجهة الأخرى، فأنت فى كثير من الأحيان تتردد قبل الاستشهاد بنص دينى أو اجتهاد سلفى، خشية الاتهام بالأصولية والراديكالية أو حتى الرجعية.. وربما كانت الأمثلة على الحالتين موجودة ومتجددة كما فى حالة سيد القمنى ونصر حامد أبو زيد وحسن حنفى وجمال البنا، على الضفة الأخرى يوجد محمد عمارة ويوسف القرضاوى ونصر فريد واصل.
«العقل» هنا هو كلمة السر فى الخلاف بين الفريقين، فإعمال العقل واجب إسلامى كما يراه أنصار الاجتهاد، بينما يرى الفريق الآخر أنه شطط وخروج عن الثوابت الدينية، وفى المنتصف تقف شخصية مثل الدكتور محمد سيد طنطاوى، شيخ الأزهر ليقول «لا غنى لأمة تريد أن تتقدم عن الاجتهاد، والاجتهاد لا بد أن يكون فى الأمور التى تقبل الاجتهاد فالعبادات والعقائد لا اجتهاد فيها، أما المشكلات التى تتعلق بشئون الناس فى حياتهم ففيها اجتهاد، والاجتهاد مقبول عندما يراد به صالح الأمة» فهو هنا حدد خانات معينة لإعمال العقل، وهو الأمر الذى يرفضه أنصار «عدم محدودية العقل البشرى» وحقه الأصيل فى القياس والنقد والتحليل.
«الاجتهاد بين النقل والعقل» أحد المفاهيم الرئيسية فى الصراع بين كلا التيارين الذى يعد فى الأصل خلافا قديما منذ صراع «التهافت» بين أبوحامد الغزالى وابن رشد، ومروراً باجتهاد الشيخ على عبد الرازق فى كتابه «الإسلام وأصول الحكم» الذى صدر عام 1925 والذى كان سببا فى انزواء الرجل إلى ركن قصى من الحياة معتزلاً إياها، لما لحق به من ضرر نتاج أفكاره.. ووصولاً لأى اجتهادات المعاصرين فى كتب الحديث، أو فى تفسير القرآن، وعلى قدر الاجتهاد يأتى الهجوم. وقد كانت الاجتهادات فى النصوص الدينية الإسلامية كثيرة مثل اجتهاد البعض فى أحاديث وردت فى الصحاح حول سن السيدة عائشة عند زواجها من النبى أو رهن درعه لدى يهودى قبل وفاته وعصمته صلى الله عليه وسلم، كما أن الاجتهادات تطرقت إلى أمور أخرى يعتبرها البعض من العقائد مثل الختان وتعدد الزوجات وأسماء الله الحسنى ومبطلات الصوم وشهادة المرأة، وكان المجتهدون فى هذه الأمور يتبعون منهج «التفكير فريضة إسلامية» بينما المعارضون للاجتهاد يرونه تعديا على مبدأ «أنه لا اجتهاد مع النص».. فأصبح الأمر «خناقة» بين العقل والنقل، وقد قال عنها المفكر الإسلامى جمال البنا أنه «لا اجتهاد إلا مع النص وهذا هو الاجتهاد الحقيقى، ولأن النص حروف جامدة ليس له قوة، لا أيد تدفع ولا لسان ينطق، ولكنه يعتمد على الفهم»، وأكده الدكتور نصر حامد أبو زيد بقوله دائما أن النصوص القاطعة فى القرآن نادرة مطالبا المتمسكين بتراث السلف أن يفرقوا جيداً بين «الإبداع فى الدنيا وبين الابتداع فى الدين».
الخلاف فى الاجتهاد لم يقتصر على الأفكار فقط وإنما امتد إلى الحوار بين الفرق والمذاهب الإسلامية المختلفة مثل السنة والشيعة، تشكل الخلاف فى هيئة صراع شديد الضراوة يخرج من إطاره الفكرى إلى إطار الشتائم وتبادل الاتهام بالتكفير والجهل، ليتحول مناخ التفكير الدينى إلى ساحة من الغبار لا يعرف عامة المسلمين أوله من آخره.. واذا كانت أسماء مثل الدكتور على جمعة مفتى الديار المصرية والدكتور محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهر تقف فى منتصف المسافة بين الاثنين فإن الصراع لم يكن بعيداً عنهما لكثرة حديثهما عن وسطية واعتدال الأزهر، فهما يتحملان مسئولية الفصل بين كل التيارات دون تحيز، لكن البوصلة السياسية كان لها تأثير كبير حيث أصبحت الدولة تطارد المجتهدين انصياعا لغضب العامة، كما تطارد المتشددين خوفاً من تأثيرهم على نفس العامة، وبالتالى أصبح الأزهر ورجاله فى موقع المتفرج الذى يميل مع السياسة حيث تميل، واختفى مصطلح الاجتهاد وإعمال العقل من أدبيات رجال الأزهر.
موضوعات متعلقة..
◄ الإسلام فى مصر وسطى لا وهابى ولا شيعى
◄ الشيعة هتفوا فى لندن ضد مبارك وطالبوا بالإفراج عن العلامة والمرجع الشيعى حسن شحاتة
الإعلام ساحة الصراع المذهبى بين السنة والشيعة فى مصر
◄ حرب الشيعة والسلفيين للسيطرة على فكر الأزهر
◄ هل كانت دولة الإسلام الأولى دينية أم مدنية؟
الأزهر يرفض بحثاً لسيدة فسرت القرآن بعقلها.. و«القمنى» متهم بالكفر لأنه حاول الاجتهاد
«الاجتهاد العقلى» الفريضة الغائبة فى أدبيات السلفيين ورجال الأزهر..والوسيلة الأقرب لاتهام المجددين بالكفر
الخميس، 06 أغسطس 2009 09:31 م