وصلت المحسوبية والفساد فى مصر إلى مرض سرطانى خطير، مؤدياً إلى كوارث انتحارية لبلدنا، أدت إلى تحطيم مستوى الأداء فى جميع المجالات، ولأننا شعب حبوب وخدوم فقد حولنا الحب والوفاء والإخلاص لأصدقائنا وأقاربنا إلى أسوأ عادة فى حياتنا، وهى "المحسوبية"، والتى أثرت تأثيراً مباشراً على عدم تقدم بلادنا بالمقارنة ببلاد العالم التى تتسابق بسرعة رهيبة نحو التطور والتحضر.
قرأت الأسبوع الماضى أنه بعد تكرار شكوى الطلاب من سوء الأكل فى المدينة الجامعية، لم يجد رئيس الجامعة حلاً إلا بالاستعانة بلواء سابق من القوات المسلحة ليدير المطبخ لتحسين جودة الطعام للطلاب، وهذا معناه أننا فقدنا الثقة فى المجتمع المدنى تماماً، فلو أردنا حلاً لأى مشكلة فيجب علينا أن نتجه للاستعانة بالعسكريين، ومن البديهى أن نعرف أن الفرق بين العسكرى والمدنى هو كلمة "محسوبية"، وما تلك الحالة إلا نموذجاً ومثالاً صارخاً لفشل النظام المدنى فى إدارة مطبخ بسيط!! وهل من المعقول أن 88 مليون مصرى ليس بينهم مدنى واحد يستطيع إدارة هذا المطبخ.
حقيقة إن ذلك يوصلنا لنتائج مفزعة، فمدير هذا المطبخ ونائبه ومساعده قد حصلوا على وظائفهم بعد مكالمات وتوصيات من الأقارب والأصدقاء، متجاوزين شرط الكفاءة والخبرة الذى ينبغى تقديمه على الواسطة والمحسوبية.
ولدراسة ما يحدث لمحاولة إيجاد حلول لمشكلتنا، دعنا نفترض أن هناك وظيفة رئيس لجامعة ما مطروحة للتعيين، وأن 100 شخص تقدموا لشغل تلك الوظيفة المهمة، وبعد بحث ودراسة المؤهلات والخبرة اللازمة، وبعد فرز المتقدمين بترتيب الكفاءة والصلاحية واختيار العشرة الآوائل منهم، وبسبب النسبة العددية للأقباط والمسلمين، فمن المحتمل جداً أن يكون هناك قبطى واحد وسط هؤلاء العشرة الأوائل المختارين وفقاً لمعيار الكفاءة والتأهيل لتلك الوظيفة، وإذا افترضنا أيضاً أنه بعد التوصيات من الأقارب والأصدقاء وأبناء الوزراء والسفراء وأعضاء مجلس الشعب واللواءات وغيرهم، وكانت أكبر وأقوى واسطة هى للشخص رقم 11 بناء على الكفاءة، وأنه قد تم تعيين المتقدم رقم 11 فى تلك الوظيفة، فذلك يوصلنا أن رئيس الجامعة الجديد ليس أكفأ شخص لشغل ذلك المنصب، وأن الخاسر الأكبر تلك الجامعة وطلابها ومدرسوها وعاملوها وغيرهم، وأنه فى نفس الوقت تم ظلم 9 مسلمين وظلم قبطى واحد معهم.
وما يحدث الآن أننا ننظر لهذه العملية بطريقة طائفية، ونتهم الحكومة باضطهاد الأقباط، لأنه لا توجد فى مصر جامعة واحدة رئيسها قبطى، ونكون بذلك تجاهلنا المشكلة الكبرى التى نعانى منها جميعاً.
لكننا إذا نظرنا إلى المأساة بنظرة وطنية مصرية، وإذا دافع القبطى المظلوم عن التسعة مسلمين المظلومين معه، ودافع المسلمون عن وجود رئيس جامعة قبطى بين كل 10 جامعات ستحل المشكلة بمنتهى البساطة.
والغريب فى تلك المعادلة، أن وجود قبطى بين 9 مسلمين ما هو إلا مقياس على أن نظامنا يعتمد على الكفاءة وليس على المحسوبية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة