فى صيف العام 2007 استضافتنى هيئة الإذاعة البريطانية (بى بى سي) للحديث عن حالات إعدام المصريين فى ليبيا لأنها فى تزايد مستمر وأصبحت تشكل ظاهرة وكنت فى ذلك الوقت منهمكا فى قضية عبد الباسط المقراحى وأحاول كمواطن عربى قبل أن أكون متخصصا فى القانون الدولى مستميتا أن أجد له طريقا يعيده إلى وطنه ويخرجه من زنزانته فى أسكتلندا، وكانت جهودى تتضاعف كلما جلست مع العقيد طيار عبد الحكيم المقرحى – الأخ الأصغر لعبد الباسط المقرحى - والذى ربطتنى به صداقة وجيرة فى باريس لمدة أربع سنوات، والذى كان يصف لى حال والدته المسنة التى تجلس كل يوم بباب البيت تصرخ وتصيح باسم ابنها السجين حتى ابيضت عيناها من الدمع وكيف أن أسرة المقرحى تعيش فى حالة من التعس والقهر لسجن ابنها عبد الباسط.. يومئذ ناشدت العقيد القذافى أن يتدخل شخصيا لحل هذه الأزمة ذات الطابع المصائبى على أمهات هؤلاء الأشخاص المحكوم عليهم بالإعدام فى ليبيا، ذلك أن القانون الليبى يسمح بدفع الدية وليس لأسرة - من أسر من يدعون أهلا للضحايا - أن يرد خاطر العقيد لو تدخل هو أو أحد أبنائه أو أى فرد فى حاشيته لا سيما وأن اعتبارات الجيرة والعروبة تدفع بالعقيد أن يهب هبة الرجال النشامى لإنقاذ رقاب أناس من حبل المشنقة وأغلب الظن أنهم كانوا يدافعون عن أنفسهم لحظة ارتكابهم القتل هذا لو سلمنا بكونهم فعلا قاتلين.
كان الرد حينها أنى أبلغت من بعض الأصدقاء عن الإفراج فقط عن اثنين من هؤلاء المحكوم عليهم من أصل أربعة وأن الاثنين الآخرين سيتم دفع الدية عنهما وستتم تسوية أمورهم.. ولكنى لم أربط لأية برهة من الزمن هذا الأمر بقضية عبد الباسط المقرحى التى يعلم القاصى والدانى أنى لم أتقاضَ فيها أى مقابل مادى بأية عملة ولا أية مصلحة مادية أو معنوية بأى شكل، على الرغم من حديث العقيد عبد الحكيم مقرحى لى عن الملايين التى أنفقها موسى كوسة مدير جهاز المخابرات الليبى بين وسطاء ورشاوى لإتمام صفقة إعادة شقيقة عبد الباسط المقرحى لليبيا وتم تتويج ذلك بتوقيع اتفاقية تسليم المجرمين بين المملكة المتحدة وليبيا فى 22 أبريل 2009 والتى لم تكن كافية كإطار يمكن أن تمر من خلاله إعادة عبد الباسط المقرحى لليبيا فتم دفع المزيد والمزيد من الملايين حتى أن وزير العدل الأسكتلندى رأيناه وقد بانت علية علامات الارتباك وهو يخاطر بمستقبلة معلنا الإفراج عن عبد الباسط المقرحى لأسباب إنسانية – هى محل تشكيك الكثير من الدوائر الإنجليزية والأمريكية - بل وصل حد هذا الإنفاق من المليارات وليس الملايين فى عدم الاكتراث لسخط ومعارضة وزارة الخارجية الأمريكية من قبل
والبيت الأبيض والرئيس الأمريكى من بعد على ما تمثله أمريكا فى أسكتلندا من أهمية أبسط إبعادها تترجم فى أن عدد الشركات الأمريكية فى اسكتلندا وحدها دون باقى المملكة المتحدة يصل ل 500 شركة تقوم بتوظيف 90000 - تسعون ألف عامل -.
فعلت ما فعلت من مجهود لإيمانى مهنيا كقانونى بالرأفة عند القضاء وفى فبراير 2009 قابلت طبيبا فرنسيا يعمل بالمستشفى الأمريكى بضاحية نويى سور سين وكذلك مستشفى نيكير بالحى الـ15 بباريس حيث أسكن أنا وعبد الحكيم المقرحى الأخ الأصغر لعبد الباسط المقرحى وكانت هذه المقابلة بناء على طلب من عبد الحكيم لى أن أكون بصحبته لطلب تقرير طبى من هذا الطبيب (أفضل عدم ذكر اسمه إلا إذا دعت الضرورة لذلك)
وكانت الغاية هى أن ارشد الطبيب للمصطلحات القانونية الأكثر فعالية والأكثر تأثيرا كقانونيا فى التقرير بدقة، لكى يتسنى لعبد الحكيم المقرحى الحصول على الإقامة الفرنسية وكان ذلك كله فى خضم الكثير والكثير من المساعدات التى قدمتها للمقرحى ويشهد الله على قولى وهم يصدقون حديثى أنى لم أتقاضَ جنيها واحدا أو يورو أو دولار وكنت دائما أترك أعمالى وأشغالى لخدمتهم تعاطفا مع أمهم الموجوعة فيهم حتى أنى كنت فى الكثير من الأحيان أصطحب عبد الحكيم وزوجته وأولاده بسيارتى الخاصة وكنت أنظر للسماء دوما وأقول ربنا اجعل هذا فى ميزان حسنات أبى وأنزل علية نورا فى قبره بما أصنع وكان هذا كل ما أرجوه من مقابل.
حتى فاجئنى هذا الطبيب الفرنسى فى تلك الزيارة بأن قال لى إن عبد الحكيم مقرحى تم شفاؤه من مرض السرطان والذى قمت بعلاجه منه ولكن يمكن أن أزودكم بخطاب لوزارة الداخلية الفرنسة أنه يحتاج المتابعة وهنا تأكدت من أن سرطان عبد الباسط السجين بتهمة إرهاب دولى كبيرة هى محل نظر وليست حقيقة وحينها طلبت من الطبيب أن نتقابل ثانية والتقينا عدة مرات، حيث طلبت منة فى إحدى تلك المرات أن يزودنى بهذا الكلام مكتوبا وفعل.
على الرغم من ذلك جرنى تعاطفى مع عبد الباسط المقرحى وكنت أسترجع فى كل مرة صورة أمه الباكية ولذا حينما اتصل بى 4 من أسر الضحايا للوقوف ضد ترحيل عبد الباسط المقرحى لليبيا بعدما عرفوا من بعض وسائل الإعلام ما صنع أخوه عبد الحكيم بى من تقاضى رشوة للتآمر على فى شهر إبريل 2009 بعدما كل ما صنعت له ولأخيه
والغريب أن هذا اليوم كنت لليوم العشرين على التوالى اصطحبه هو وزوجته وأولادة لعمل الإقامة ومواعيد الأطباء لأخذ التقارير وفى صباح الثانى من أبريل ذهبت
واصطحبته بسيارتى لأكثر من 5 ساعات وأوصلته منزلة الساعة 4 عصرا على وعد بالرجوع إليه فى السادسة مساء للذهاب لطبيب آخر لأخذ تقرير كى يقدمه فى ملفه لكى يتمكن من تجديد إقامته الفرنسية المنتهية منذ مايو 2008 وبعدما نزل من سيارتى توجهت لبيتى وإذ بزوجتى تقابلنى صارخة وهى تبكى بالقول لا أريد أن أفقدك وعرفت أن عبد الحكيم المقرحى استغل أسوء استغلال تعاطفى معه ومع أخيه وتقربه منى لتدبير مؤامرة خسيسة مع المدعو رفعت الأسد عم الرئيس السورى بشار الأسد لقتلى بسبب رفضى التعامل مع السفاح المسمى رفعت الأسد وكشفى لدورة فى تضليل محكمة الحريرى ضد ابن أخيه وتلك الواقعة تم على أثرها حبس المتحدث باسم رفت الأسد والمدعو حارث الخير من قبل الشرطة الفرنسية وهرب عبد الحكيم لليبيا مع زوجته وطفلة الرضيع تاركا باقى أولاده بفرنسا لعدم إيجاد الوقت لاستكمال إجراءات السفر لباقى أولادة.. على الرغم من كل ذلك فقد كان جوابى على الـ4 أسر التى اتصلت بى هو جملة واحدة هى أنا مصرى ولا يمكننى أن أواجه شعبى وأسرتى بأى مسعى من شأنه الحيلولة أو المنع من إعادة عبد الباسط المقرحى لبلده.
نعم، فعلت ذلك كله لأنى مصرى وهذا هو معدن المصرى أيها الإخوة فى ليبيا الجارة.. أفلا تساوى رقاب إخوتى المصريين أن تتدخل يا سيادة العقيد القذافى إكراما لما صنع إخوة لهم لكم ولشعبكم ولمسجونتين من شعبكم؟
ألا يشملهم كرمك بدفع الفدية للأسر الليبية ولو من جيبكم الخاص والتى هى مبالغ زهيدة لو قارناها مع ما قمتم بدفعه للغرب من المليار وخمسمائة مليون دولار التى تم دفعها لأسر الضحايا الأمريكان والإنجليز وغيرها من الملايين للفرنسيين والتى تنفون ضلوعكم بإحداثها؟
تعرف الرجال وقت المحن وفى ساعة الشدة.. فعرفنا عمر المختار رجلا يوم شدة ألمت بوطنه فوقف الرجل ووثب وهو الشيخ ذو السبعين وعرفتم منا رجالا لم يتاجروا يوما بقضاياكم ووقفوا معكم ومع شعبكم باسم العروبة التى نتآخى فيها والإسلام الذى يجمعنا
ونولى وجهنا شطر قبلته المسجد الحرام سويا.. أفلا أيها الإخوة فى ليبيا الجارة اغتنمتم فرصة الشهر العظيم واعتقتم رقاب إخوتى المصريين وهو الشهر الذى وعد الله فيه عباده أن من أعتق رقبة فى الدنيا أعتق الله رقبته من النار؟
ولتعلمون أنكم إن فعلتم فإن الله من فوق سبع سموات يسجل كما أن ذاكرة الشعب المصرى أيضا تسجل التاريخ وأحداثه دون نسيان وسيخرج لكم 80 مليون محمود رفعت ليقف لجواركم لو أراد الله بكم محنة أخرى لا سمح الله مثل محنة عبد الباسط المقرحى.
* رئيس مركز السوربون للقانون الدولى والعلاقات الدولية
باريس – فرنسا
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة