نشرت صحيفة واشنطن بوست فى عددها الصادر اليوم، الثلاثاء، مقالاً لعبد المنعم سعيد رئيس مجلس إدارة الأهرام وزميل بمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة برانديز، يعلق من خلاله على زيارة الرئيس مبارك إلى الولايات المتحدة الأمريكية لعقد قمة ثنائية بين الدولتين.
ويستهل سعيد مقاله قائلاً، إن اجتماع الرئيس الأمريكى الثانى بنظيره المصرى اليوم يمثل فرصة حقيقية للإطلاع على هذه العلاقة الثنائية المهمة من المنظور الصحيح، فالوقت طويل تمركزت العلاقات المصرية - الأمريكية على أمرين فقط؛ السلام المصرى مع إسرائيل وتقدم البلاد نحو الديمقراطية.
هذان الملفان يتسمان بأهمية خاصة بالنسبة للشرق الأوسط، على حد قول الكاتب، الذى كتب لسنوات عديدة عن ضرورة التوصل إلى سلام أعمق وانتقد خطى عملية التحول الديمقراطى البطيئة فى مصر. ويرى سعيد أن الرئيسين الأمريكى والمصرى يجب أن يركزا على أحدث تهديد بالمنطقة والمتمثل فى انتشار الدول الهشة التى تنهار تحت الضغوط الديموغرافية وندرة الموارد والصراعات الداخلية.
ويقول الكاتب، إن المحللين الغربيين يشككون فى قوة دول الشرق الأوسط الشاملة، ولكن هذه الرؤية قد عفا عليها الزمن، فالشروخ التى أصابت هياكل الدول انتشرت بشكل كبير. وتأتى باكستان على رأس هذه الدول، التى كانت جهودها الأخيرة لتأكيد سلطتها العسكرية على مناطق متفرقة من البلاد موضوع واسع للمناقشة فى جميع أنحاء العالم. ولكن الوضع لا يقتصر فقط على باكستان وإنما يشمل اليمن والصومال والسودان ولبنان والعراق وأفغانستان وفلسطين، فعلى ما يبدو يتعرض تماسك الدولة لهجوم حاد.
وتخضع هذه الدول للسلطات المؤسسية الضعيفة، فالقوانين لا تطبق، ولا يمكن تنظيم الاقتصاد، ولا تتوافر فرص العمل، وتخضع أجزاء من الأراضى الوطنية لجهات غير حكومية، بينما لا يحصل المواطنون على الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الأساسية. ويرى سعيد أن مصر لا تنتمى إلى هذه الفئة، ليس فقط لأن مصر تعد مركز العالم العربى، وأكبر وأقدم دولة عربية، وأول دولة عربية تتوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل، وأقرب حليف للولايات المتحدة الأمريكية فى المنطقة، وإنما لأن مصر تعتبر واحدة من دول الشرق الأوسط القليلة التى تمتلك مؤسسات قوية متطورة قادرة على التنمية الداخلية فى الوقت الذى تبقى فيه الدولة لاعباً رئيسياً على الساحة الإستراتيجية إقليمياً.
ويلفت الكاتب إلى أن هذه الحقيقة منعكسة على جبهتين؛ الأولى تنحصر فى أن الدولة ظلت مستقرة فى الوقت الذى كانت تحاول فيه استيعاب التغيير. وعلى الرغم من أن هذه التغييرات ليست كافية، إلا أن تحول المجتمع أمر لا جدال فيه، فدولة الحزب الواحد المتجانس والتى استمرت لربع قرن لم تعد قائمة. يقول سعيد، إن انتخابات الرئاسة المباشرة ومتعددة المرشحين قد حلت محل انتخابات الاستفتاءات السابقة، وينشر فى البلاد الآن أكثر من 500 صحيفة ومجلة، ويبث بها أكثر من 400 قناة عربية ناطقة باللغة العربية تتنافس على الأخبار والآراء النقدية.
ويشير الكاتب إلى أن الإصلاح فى مصر يحمل بين طياته أهمية كبيرة، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية، فالاستثمار زاد بصورة كبيرة، وانخفض معدل البطالة من 11.8% عام 2005 إلى 8.6 % العام الماضى، وستتمكن مصر من إثبات مكانتها كأحد أهم الاقتصاديات الصاعدة فى المستقبل.
ثانياً، أبقت الدولة المصرية على السلام فى منطقة يبدو فيها الجميع بصدد الدخول فى حرب، واستمر السلام الذى توصلت إليه عام 1979 مع إسرائيل حتى الآن بل وامتد للأردن، على الرغم من جميع الصعوبات والعراقيل.
ويرى سعيد، أنه على الرغم من أن هذا السلام استقطب انتقاد الكثير من الدول العربية، لا تزال مصر الدولة العربية الوحيدة التى تتطلع إليها جميع الأحزاب من أجل التوافق الاستراتيجى والتفكير العقلانى. ومع الانقسام الذى يمزق أطراف المنطقة، لا تزال مصر قادرة على حشد الجماعات المختلفة أمثال الفصائل الفلسطينية والإسرائيليين والسودانيين والعراقيين إلى طاولة الحوار. يقول سعيد إن هذه الجماعات نادراً ما تتفق، ولكن الجميع يفضل وجود مصر لحل هذه المشكلات العنيفة، فعلى مدار عقود، عززت مصر دورها كقائد للسلام لا يختلف بشأن شرعيته أحد.
ويضيف أن هذا يوضح المركزية التى تتمتع بها مصر فى الوقت الذى تحاول فيه الولايات المتحدة مواجهة التحديات الإستراتيجية للتوصل إلى اتفاق سلام شامل بين العرب والإسرائيليين، وإيقاف البرنامج النووى الإيرانى وضمان إحلال الاستقرار فى العراق بعد انسحاب القوات الأمريكية من البلاد.
ويختم عبد المنعم سعيد مقاله قائلاً، إن الشرق الأوسط يجب أن يعثر على سبيل للتعامل مع الفوضى التى خلفتها الدول الفاشلة، ويجب أن تسعى الولايات المتحدة الأمريكية بالتعاون مع مصر لتشكيل ائتلاف يضم الجهات الإقليمية والدولية لتصميم آليات جديدة تهدف إلى تجنب انهيار تلك الدول.
عبد المنعم سعيد لـ"واشنطن بوست": موجة التغيير تجتاح مصر
الثلاثاء، 18 أغسطس 2009 08:35 م