"شيال الهموم يا صغير..شيال الهموم" فى عمر الزهور يبدأ سواق الميكروباص حياته كتباع ينحشر فى تلك المساحة ما بين جسم الزبون والباب ويلف جسده النحيل ليخرج رأسه من الشباك الضيق "رمسيس ..عباسية ..غمرة" فى تلك المساحة الضيقة يتعلم كيف يجمع الأحزان ويقسمها على أيام السنة ليطرح نكدا صرفا يظهر فى كلمات الأغانى التى تبعث على الاكتئاب.
ويتشرب ذلك الصبى "الميكرو" سريعا أصول المهنة فيتعلم متى يكشر عن أنيابه فى وجه الزبون ويبلطج ومتى يدلل الزبون وياكله بكلمتين حلوين، حتى يستطيع التعامل مع الغفير والأمير لينتقل إلى مرحلة المراهقة وقد تحول إلى الشاب الروش "هى ديتها شوية أكسجين وحبة جيل بجنيه ونص ويمشى فاتح صدره " أنا الواد أبو قلب حديد أنا الواد أبو عزم شديد، بطلع على الإنترنت وبعاكس الواد والبت، على مين ترفع مطاوى على مين ترفع سكاكين" إضافة مجموعة من أصدقاء السوء على الخلطة السابقة يمكن أن يساهم فى إنتاج صورة سواقين الميكروباص التى نراها أما إذا أضفت عشوائيات خالد يوسف فتأكد أن الخلطة ستكون مبهرة.
"التزنيق" سياسة ينتهجها بعض سواقين الميكروباصات للسيطرة على الطريق خاصة فى الشوارع الضيقة والحق أنه نوع من الترفيه الذى يمارسه البعض لتسلية وقت الفراغ الذى يشعرون به نظرا للفترات الطويلة التى يقضونها بداخل الميكروباص، خاصة أن من بينهم سواقين "هاى كلاس" كانوا يعملون على تاكسى قبل ما الحال يدحدر بيهم " أنا كنت ميه ميه وعندى العربية ..الناس قرت عليه خلتنى بعت العربية ..خلاص التاكسى باظ وركبنا الميكروباظ ".
أصدقاء السوء لهم دور كبير فى حياة أى سواق ميكروباص فلا تكاد تخلو أى أغنية ميكروباصية منهم فهم مصدر البلاء لكن ذلك لا يعفى الشيطان من القيام بمهنته الأصلية والوسوسة حتى يقع فى المحظور: "الأول جرجرتك من خيبتك خدرتك وبقيت تعرف تبكى وبتلعب على جارتك ،بقيت تلعب بوكر وبتشرب جون ووكر، ما تطلع وتحشش ولا إحنا فى بنزينا".
وبما إن الحشيش والبانجو وجميع الأصناف متوفرة حاليا بالأسواق وبكميات غير محدودة فيمكنه أن يمشى فخورا بنفسه "أنا شارب سيجارة بنى حاسس أن دماغى بتاكلنى ،قاعد فى الحارة بسقط والغسيل عمال بينقط والشارع اللى ورايا قدامى" إلا أنه يفاجأ بأنه أمام أمين شرطة يطلب منه "قول حاحا، قول حاحا" وناولنى الاصطباحة ، تلك التجربة الأولى مع أول أمين شرطة تعيده إلى صوابه ليشترك فى ترديد معزوفة الشرطة "من ضعفى قدامك أنا قلبى خدامك اجرحنى بكلامك وأنا حقدر أتحمل ،إيه اللى بأيديه غير الآهات ديه دايما تسمعنى كلام بيوجعنى ،يا واخدنى تسلية، شوف قد إيه شارى مجروح وبتألم ؟؟.
يتعلم بعدها أن يناول الأمين "الاصطباحة" طواعية عشان يمشى حاله وياكل عيش ويتهرب من أى موقف بالاصطباحة بدلا من ترديد "مش حشرب بنى تانى ولا حعرف شكله تانى" إلا أنه القاعدة الأساسية تنص على أن ينكر المحشش أى صلة بينه وبين باكت البانجو "البانجو ده مش بتاعى والله مظلوم يا بيه، ،المرشد اللى جابه خلانى مضيت عليه" وهى ديتها كام سنة فى السجن يكتسب خلالهم شتى فنون الإجرام ويطلع من السجن يلاقى مراته متجوزة أعز أصحابه "أنا مش عارفنى، أنا كنت منى،أنا مش أنا ، لا دى ملامحى ولا شكل شكلى ولا ده أنا ، أبص لروحى فجأة لقيتنى كبرت فجأة تعبت من المفاجأة ونزلت دمعتى ،متكونش دى حكايتى وآخر قصتى".
تباع الميكروباص.. يجمع الأحزان ويغنى: "شيال الهموم ياصغير"
المساحة الضيقة بين الهواء والنكد لعفاريت الأسفلت
الأحد، 16 أغسطس 2009 09:46 م