عكس الإعلام الفرنسى مظهرا جديدا للجدل حول النقاب، شهدته فرنسا خلال اليومين الماضيين، يتعلق هذه المرة بالأرقام التى كشفت عنها المذكرتان التى تقدمت بهما الشرطة الفرنسية إلى الحكومة فى بداية شهر يوليو، والتى تشير إلى أن عدد السيدات المنقبات يصل إلى 367 سيدة فقط. وهو الأمر الذى زاد من الانقسام الداخلى ما بين مؤيد ومعارض لسن قانون لمنع ارتداء النقاب، نظرا إلى صغر نسبة المنقبات بالنسبة لعدد مسلمى فرنسا الذى يصل إلى حوالى 6 ملايين مسلم.
من جانبها، لا تشكك وزارة الداخلية الفرنسية فى حقيقة المذكرة التى صاغتها الإدارة المركزية للاستخبارات الداخلية (وهى الإدارة المعنية بمراقبة الإسلام الراديكالى فى فرنسا والتهديد الإرهابى الذى قد ينشأ عنه)، إلا أنها تعترض على العدد الوارد بها. فقد أكد مسئول كبير أنه "من غير الممكن إجراء إحصاء دقيق لعدد المنقبات، حيث إن العدد 367 هو فقط عدد الحالات التى رصدتها إدارة الشرطة مباشرة. ومن ثم فإن هذا العدد لا يمكن أن يكون بأى حال من الأحوال شاملا أو وافيا".
وقد زادت مذكرة إدارة الاستخبارات الداخلية بالشرطة الفرنسية، التى كانت تهدف إلى تقديم "أفضل المعلومات الممكنة" الخاصة بقضية النقاب فى فرنسا للبرلمانيين الذين شكلوا لجنة تحقيق حول ارتداء النقاب، من حدة الانقسام الذى كان يشهده بالفعل البرلمان الفرنسى حول فاعلية إصدار قانون خاص بهذه المسألة.
فقد اعتبر أندرية جيران، صاحب فكرة تشكيل اللجنة البرلمانية، العدد الذى جاء فى المذكرة "مضحكا". وأضاف فى بيان أصدره قائلا: "إن النقاب ما هو إلا قمة جبل الجليد المغطى ببقعة سوداء. وعلينا ألا نخدع أنفسنا، فإن قبضة الأصوليين والمتشددين الإسلاميين تسعى إلى السيطرة على الحياة المدنية فى مناطق معينة فى بلادنا".
"إصدار قانون حول النقاب..
أما على الجانب الآخر، فقد أدى تقرير الشرطة إلى تمسك بعض النواب الآخرين بموقفهم المعارض لفكرة إصدار تشريع، ومنهم كلود بارتولون، الرئيس الاشتراكى للمجلس العام لسين سان دنيس. فقد رأى بارتولون أن إصدار تشريع خاص بمنع ارتداء النقاب فى فرنسا سيكون أمرا غير ضرورى، نظرا إلى قلة عدد النساء المرتديات النقاب. يقول بارتولون: "نظرا لقلة عدد المنقبات، لدى بالفعل انطباعا بأن إصدار قانون أو إثارة جدل برلمانى سيكون بمثابة القضاء على ذبابة بواسطة مطرقة ضخمة".
وأضاف: "لا أدرى متى وصل عدد المنقبات من "صفر" إلى 360، ولكن من الواضح أن هذه الممارسات محدودة للغاية، كما أن هناك عددا من النصوص، فى إطار قواعد التعايش معا فى فرنسا، قد يمكن استخدامها لمنع هذا النوع من السلوك".
وذهب بارتولون إلى ضرورة الانتباه إلى كل حالة من هذه الحالات على حدة، وكذا ضرورة معرفة كيف وصلت تلك النساء إلى هذه الحالة من الانزواء عن المجتمع ككل. وخلص بارتولون إلى أهمية تجنب أن ينتهى الأمر إلى سوء تواصل مع مسلمى فرنسا، بعد أن كانت الفكرة الشجاعة المسيطرة فى البداية هى رفض أى سلوك متشدد فى فرنسا.
وقد علق دليل بوبكر، عميد المسجد الكبير فى باريس، على مذكرة الشرطة الفرنسية، مؤكدا أن مسألة ارتداء النقاب ليست بحاجة لإطلاق حوار وطنى، حيث إنه ليس من الضرورى إتخاذ تدابير جدية وخطيرة لمواجهة ظاهرة هامشية. فإن قيام أقل من 400 سيدة بارتداء النقاب من مجموع 6 ملايين مسلم لا يعنى تولد ظاهرة أصولية فى المجتمع الفرنسى.
وأمام هذا الجدل الذى ظهر بعد نشر مذكرة الإدارة المركزية للاستخبارات الداخلية، قررت هذه الأخيرة إجراء دراسة جديدة حول الموضوع ذاته وصفتها بأنها ستكون "أكثر عمق ودقة".
