صورة مُشرّفة وصورة مخزية ومثيرة للضحك

الخميس، 09 يوليو 2009 02:01 م
صورة مُشرّفة وصورة مخزية ومثيرة للضحك
بقلم: سمر طاهر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
منذ أسبوع مضى وبالتحديد فى يوم الأربعاء الماضى.. حدث موقف غريب وغير معتاد.. انطلق أتوبيس شرق الدلتا من موقف "القللى" بالقاهرة فى الخامسة عصراً متجهاً إلى محافظة الدقهلية.. اكتشف الركاب أن جهاز التكييف الخاص بالأتوبيس معطل، والنوافذ لا تفتح!! بدأ الركاب فى التذمر، مطالبين السائق – على الأقل – بفتح باب الأتوبيس من أجل التهوية، رفض السائق، مؤكداً أن هذا الأمر "ممنوع" منعا باتاً، أى أنه لا يستطيع تحمل هذه المسئولية، وبعد قليل ازداد تذمر الركاب، خاصة مع وجود أطفال صغار، وقد بدأ الجميع فى الشعور بالاختناق مما دفع السائق إلى فتح الباب الأمامى للأتوبيس رغم خطورة هذا الأمر..

بعد قليل وتقريباً عند منتصف الطريق الزراعى المؤدى من القاهرة إلى مدينة المنصورة، فوجئ الركاب بتوقف الأتوبيس فجأة بلا مقدمات، وتعالت الأصوات مؤكدة أن سيارة وزير الاستثمار محمود محيى الدين، والتى كانت سائرة فى نفس الطريق بالمصادفة قد أجبرت الأتوبيس على التوقف بعدما لاحظ الوزير سير الأتوبيس مفتوح الأبواب.. وبعد لحظات صعد الوزير بنفسه إلى الأتوبيس وتفقد الركاب وتساءل عما يحدث، وعندما علم أن التكييف لا يعمل استنكر ما يحدث، حيث إن تذكرة الرحلة تنص على أن الأتوبيس (مكيف الهواء).. وتعهد الوزير برد ثمن التذكرة لكل الركاب ثم غادر.

علت علامات الاندهاش الوجوه.. وتشكك البعض فيما قيل.. وعندما وصل الأتوبيس إلى محطته بمدينة المنصورة فوجئ الركاب بوجود عاملين من شركة شرق الدلتا فى استقبالهم، حيث ردوا للجميع قيمة التذكرة، وهى تسعة جنيهات مصرية لكل راكب، وذلك وسط دهشة وعدم تصديق الجميع لما يحدث حولهم، وقد طُلب من كل راكب أن يكتب اسمه فى قائمة، ويوقع على استرداد قيمة التذكرة..

والموقف قد يكون طبيعياً ومتوقعاً الحدوث فى أية دولة أخرى من دول العالم، ومن أى مسئول فى أية دولة أخرى غير مصر، فهذا أمر لم نألفه فى بلدنا مع الأسف.. فالتنشئة الاجتماعية للمواطن المصرى جعلته يعتاد على الرضا بالقليل.. والعادى أن نجد الخطأ يمر مرور الكرام طالما "عدّت على خير"..

أما غير العادى هو المطالبة بالحق، وغير العادى هو أن نجد خطأ يتم الاعتراف به، فما بالكم بتصويبه بشكل فورى.. غير العادى بالنسبة لنا هو ما حدث من المسئول الكبير.. الوزير، الذى رأى خطأً، ربما لا يتعلق بوزارته هو وحدود مسئولياته هو، ولكنه بادر بتصويبه بحزم.. فشكراً للوزير.

وصورة مخزية مثيرة للضحك
منذ عدة أيام لاحظت أن رقماً معيناً يتصل بالهاتف الجوّال "المحمول" الخاص بى باستمرار وإلحاح ثم يغلق الخط قبل أن أتمكن من الرد.. خمنت أنه ربما هناك خطأ ما أو سوء فهم.. ثم تكرر الأمر بصورة مزعجة للغاية.. حاولت أن أعاود الاتصال بالرقم ذاته فلم أجد رداً.. فتأكدت أنها ليست "معاكسة تليفونية"، بل بالفعل سوء فهم أو خطأ فى جهاز المُتصل يجعله يتصل برقمى بلا توقف..

كان الحل من وجهة نظرى هو اللجوء لشركة الاتصالات التابع لها الرقم على أساس أنه لديهم بيانات العملاء أو أنهم قد يصلون إلى صاحب الرقم لإيقاف هذه المهزلة، خاصة أن عدد المرات التى "يرن" فيها جرس هاتفى وصل إلى نحو عشرين مرة فى اليوم الواحد وعلى مدار عدة أيام.. أكدت الشركة أنه لا حل لديها، وأننى من الأفضل أن اتصل بـ "مباحث التليفونات"، وهو مصطلح جديد بالنسبة لى لم أكن أسمع عنه أو عن وجوده.. اتصلت بالدليل لأخذ رقم هذه "المباحث"، واتصلت بالرقم وكانت المكالمة مضحكة، أولاً كان الاتصال سيئ للغاية ومتقطع وبالكاد أسمع المتحدث أو يسمعنى وهو الأمر الطريف، خاصة أنها مباحث "التليفونات"! ثم دار الحوار العجيب:

- من فضلك عندى مشكلة هى "كذا وكذا وكذا.."
- اذهبى إلى مباحث الجيزة.
- لكن الموضوع بسيط، مش ممكن اكتفى بمكالمتهم؟ "رغم أنه لم يوضح ما هى مباحث الجيزة أو ما هو عنوانها، وكأنه يتحدث مع خبيرة وليس مواطنة عادية".
- لا يمكن، يجب أن تذهبى بنفسك.
- طيب أين مكان مباحث الجيزة هذه من فضلك؟.
- فى المهندسين!.
- أين بالتحديد إذا سمحت؟
- جامعة الدول العربية.

عندها تذكرت أنهم يستقبلون الشكاوى من هذا النوع فى سنترال وزارة الاتصالات، والذى يقع فى شارع أحمد عرابى، ربما هذه هى مباحث التليفونات، فسألته:
- شارع جامعة الدول ولا شارع أحمد عرابى؟
- "بنفاذ صبر" يا ستى أحمد عرابى، ما هما الاتنين واحد! ما هو ده متفرع من ده!!

شكرته وأنهيت المكالمة، حيث توقعت أن يقول لى بعدها إنه كله عند العرب صابون!! وطبعاً قررت أن أتجاهل الموضوع، وأتحمل إزعاج "الرنات" أو "الميزدات" كما يقولون..

كانت المكالمة مضحكة، ولكنها بالقدر نفسه مُحبِطة.. فعدم الدقة وعدم الحرص على إعطاء المعلومة السليمة أو خدمة المواطن جعلت الأمر يصل لحد الاستسهال للأسف الشديد. لقد أصبحت هذه سمة مميزة فى كل الجهات والهيئات المصرية تقريباً، وكأنه ليس من حق المواطن أن يفهم أو يستفسر، فما بالكم أن يحصل على حقه فى الخدمات بشكل دقيق ومنضبط، وإذا كان المواطن المصرى يحصل على الخدمات من مختلف الهيئات بشق الأنفس، فليس من المتوقع أن يجد خدمة حقيقية أو حتى يحصل على معلومة بسيطة جداً عبر الهاتف، فلا أحد لديه "الخُلق" كى يجيب عن أى استفسار وربما يعطيك معلومة مضللة "عشان يريّح دماغه"، ولسان حاله يقول "هو إحنا هنخدمك وأنت قاعد مستريح فى بيتك، قوم هز طولك وتعال عندنا إحنا معندناش وقت للهزار فى التليفونات!".

مع أن المواطن أحياناً قد يستفسر عن أمر مهم بالنسبة له، ولكنه فى نفس الوقت بسيط وسهل ولا يستغرق دقيقة للإجابة عليه، رغم أننا نشكو يومياً من زحام الشوارع والمصالح الحكومية بلا داعٍ، وننادى بتطبيق مبادئ الحكومة الالكترونية للتيسير على المواطنين وتمكينهم من الحصول على الخدمات عبر الإنترنت، فأين نحن من كل هذه الطموحات والأمانى؟.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة