أدعوك عزيزى القارئ لتأمل القراءة "الغاضبة" التى قام بها الصحفى البريطانى المخضرم روبرت فيسك مؤخراً لتقرير التنمية الإنسانية العربى الصادر مؤخراً أيضاً عن البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة، والتى تساءل فيها قائلاً:"لماذا قدر لهذا المكان (التعس) بكل ما يمتلكه من ثروة بترولية أن يستمر فى إنتاج سكان (محدوى التعليم) إلى هذا الحد؟!
رفض فيسك أيضاً من خلال قراءته الغاضبة أيضاً لجوء العرب "إحنا يعنى" إلى التذرع بالاضطهاد الاستعمارى والمؤامرات الغربية كمبرر للعجز عن مواجهة(الحكام المستبدين)، ثم تساءل (غاضبا) أيضاً، لماذا لا يزال العرب فى (العصور الوسطى) ثم تبرع بالإجابة قائلاً:" أظن أن المشكلة تكمن فى (عقول العرب)، فهم لا يشعرون بأنهم يمتلكون بلادهم، فالعرب "إحنا مرة أخرى" لا ينتخبون ممثليهم ويشعرون بأنهم محكومون وليسوا معنيين بالحكم، وخير دليل على ذلك هو إهمال العرب لشوارعهم التى كثيراً ما تطفح بالقمامة".
لاشك أن هذه القراءة الغاضبة تستحق قراءة متأملة طويلة، فبصرف النظر عن مبررات غضب فيسك، فإنه من الممكن إحسان الظن والقول بأن هذا الغضب إنسانى وجميل، ومن حقك أن تسعد عندها، لأنه من الرائع أن يغضب لأخيه الإنسان "الآخر" شخص فى قامة فيسك، ففى هذا اعتراف بأنك أولا لا زلت إنسان والحمد لله، ولا زلت أيضا تستحق الغضب، ولكننى لا أخفيكم سراً أن نوعاً من التخبط أصابنى، فهل فيسك غاضب لنا أم غاضب منّا أو ربما غاضب علينا.. لم أعرف.. ولكن ربما كل هذه الغضبات معاً. ربما تصيبك الصدمة عندما يعرّفك فيسك بأنك تعيش فى العصور الوسطى وفى مكان تعس!
فصحيح أن هناك من الشعب المصرى من لا يعرف الصحفى الشهير خيرى رمضان، فضلاً عن أن يعرف روبرت فيسك، ولكن شعبنا (محدود التعليم) يعرف بالتأكيد مستر إكس ويحفظ فيلم فؤاد المهندس عن ظهر قلب، ويعرف أيضاً دهان فيكس لعلاج البرد، فكيف يصفنا فيسك بأننا نعيش فى العصور الوسطى ؟! لماذا يرى فيسك نصف البرميل أو الزير الفارغ" أوانى العصور الوسطى"، لماذا لا يرى الجزء الملآن منها ؟!
لماذا يرانا هكذا متخلفين فى الهاى تك مثلاً، ولا يرى عبقريتنا فى الهاى توك توك، والتيك أواى، والتوك شو، ألا يرى أنها إنجازات فى مجالات متعددة ؟!
ألا يرى خطواتنا غير المسبوقة فى زيادة معدل الجريمة، والجريمة الأسرية خاصة، خذ عندك وفى هذا الصباح، زوج يلقى بزوجته من البلكونة ويجلس لقراءة القرآن حتى القبض عليه، ألا يرى كل هذا الإيمان والتوفيق فى الحزم؟!
ألا يرى فيسك أن المرأة لدينا مازالت شهرزاد التى تحكى مآسيها فى فيلم "عصرى" من أكثر الأفلام المعبرة عن المكان التعس الذى تعيش فيه نساؤنا، لا لشىء إلا لأنها شهرزاد، وأنها الوحيدة التى لم يقتلها شهريار، بينما عقل شهريار هو هو كما هو ولم يتغير، وشهرزاد هى هى لم تتغير أيضاً كثيراً عن جدتها شهرزاد الكبيرة؟!
دخل فيسك فى الحلقة المفرغة إياها، إلا أنه بالنهاية وكما يبدو ظاهرياً من كلامه يلقى بالكرة فى ملعبك عزيزى القارئ، فشارعك غير نظيف، والمشكلة فى عقلك.. أزمة العقول نعرفها والعارف يا عزيزى فيسك لا يعرّف.