أكرم القصاص - علا الشافعي

ثروت الخرباوى

عبدالمنعم أبوالفتوح وكفى

الخميس، 30 يوليو 2009 07:58 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄◄مواجهته للسادات خير شاهد ودليل على إخلاصه وشجاعته
◄◄هو الأكثر ثقافة ومرونة وسعة أفق وقدرة على التعاطى مع الواقع المحلى والدولى من الجميع

قال الفتى بقلب شجاع ولسان فصيح وهو يقف أعزل ليس معه سلطة إلا سلطان الإيمان: أنت تُعلن أننا دولة «العلم والإيمان» فى حين أن هذا الشعار يخالف التطبيق.. ثم استطرد قائلا: أنت تقوم بوقف الشيخ محمد الغزالى عن الخطابة فى مسجد عمرو بن العاص فى الوقت الذى تترك فيه المنافقين الذين من حولك ينافقونك.

فرد الرجل صاحب الجبروت القابع وسط حُرّاسه ووزرائه وقد قطّب جبينه واكفهر وجهه والغليون يرتعش بين يديه: الزم مكانك أنت تتحدث مع رئيس العائلة وأنا لا أقبل النفاق وليس هناك من ينافقنى.. قف.. قف.. الزم مكانك.. مكانك.. ثم تبعثرت كلمات الرجل وجحظت عيناه وتفصد جبينه عرقا وخرج الرذاذ من فمه يتطاير فى أنحاء المكان.

فقال الفتى وهو رابط الجأش دون أن يهتز له جفن أو يتتعتع له لسان فى موقف تُذل فيه أعناق الرجال: أنا أقف مكانى، ثم إن كلماتى واضحة، فالبون شاسع بين أن يكون هناك من ينافقك وأن تقبل أنت هذا النفاق، لقد تم نقل الشيخ الغزالى دون سبب، والمسئولون فى الدولة تنصلوا من قرار النقل فمن نقله إذن؟ وأنت طلبت أن نتكلم معك بصراحة وأنا أعرف حدودى.

وعندما حاول الرجل صاحب السلطة أن يتكلم تتعتع لسانه وتاه منه الكلام وذهب إلى كل ناحية دون أن ينتظم فى جملة واحدة تحمل معنى واضحا.

أما الرجل فهو رئيس مصر السابق الراحل أنور السادات الذى قضى نحبه فى الحادثة المشهورة فأفضى إلى ما قدم، وهو الآن بين يدى الرحمن يحاسبه عن كل مثقال ذرة من عمله، إن خيرا يره، وإن شرا يره، وكل صاحب سلطة سيلحقه الموت ذات يوم مهما طال به الأجل وسيحاسب يقينا عما اقترفت يداه.

أما الفتى فأنتم تعرفونه حق المعرفة، وكيف لا تعرفونه وهو المصرى البسيط الذى خرج إلى الحياة ذات يوم من أيام عام 1951 وكأنه نبتة عفية طيبة شقت طريقها إلى الدنيا من بين تُربة خصيبة تحمل فى باطنها خير بلادنا.. شق طريقه للحياة وهو يحمل ملامحنا ويبكى لأحزاننا ويقتسم معنا همومنا، ويصدح بكلمة حق أمام سلطان جائر، فيعيد إلى نفوسنا تلك المعانى الرائعة التى قرأنا عنها ولم نرها.. فنرى بأعيننا كيف هو ذروة سنام الجهاد فى سبيل الله.. أليس هو كلمة حق أمام سلطان جائر وفى مواجهته عيانا بيانا؟

هو عبدالمنعم أبوالفتوح الذى نشأ فى أسرة بسيطة من تلك الأسر التى اقتربت من الله وتدينت له بالفطرة، رأى أباه الموظف البسيط يقيم الفرائض ويذهب إلى المساجد فرافقه وسمع معه بعض دروس العلم فى أحد مساجد الجمعية الشرعية، وبعد نكسة 1967 تزلزل فؤاد الفتى، فما كان يخطر بباله أبدا وهو المتيم بعشق مصر وقد شغف بها حبا أن هذا الصرح العظيم الذى أقامه فى فؤاده عن مصر العزة والكرامة من الممكن أن ينهار فى لحظة، فاقترب الفتى من الله أكثر وأكثر، وأصبحت رحلة ذهابه إلى المساجد هى البلسم لقلبه الغض، أكاد أتصور ذلك الفتى وهو يبكى بحرقة عندما عرف بخبر الهزيمة، وأكاد أسمعه حين قال يومها لبعض رفاقه: لم نُهزم فجيشنا لم يحارب أصلا.

لم يكن غريبا على عبدالمنعم أن يتفوق فى دراسته بل أن يصبح من الأوائل، فهو فتى ذكى نجيب جلد يحمل فى داخله طاقة عظيمة من الإصرار والدأب، وحين حصل على الثانوية العامة بتفوق التحق بكلية الطب جامعة القاهرة، ويحكى الباحثون أن أبا الفتوح هو أحد البنائين الذين أعادوا بناء جماعة الإخوان المسلمين حين أسس مع رفاقه فى الجامعة أسرة الجماعة الإسلامية التى استمدت معارفها ومعالمها الفكرية ومشاعرها القلبية من الشيخ محمد الغزالى والدكتور يوسف القرضاوى وغيرهما من الدعاة رموز الوسطية والاعتدال، ومع الوقت تكونت ملامحهم الفكرية ونضجت أفكارهم، وكان من الطبيعى لفتى توافرت له صفات الشجاعة والقدرة الفائقة على القيادة أن يصبح رئيس اتحاد طلبة كليته ثم من بعدها رئيس اتحاد طلبة الجامعة بأسرها، وحين التقى بالمرحوم الأستاذ عمر التلمسانى وغيره من قيادات الإخوان انضم إليهم عن اقتناع وطيب خاطر.. ليس هذا فحسب ولكنه عقد العديد من اللقاءات مع القيادات الطلابية الإسلامية فى كل الجامعات وأقنعهم بالانضمام إلى جماعة الإخوان لتوحيد الصف الإسلامى، فاقتنع الآلاف من رفاقه وانضموا جميعا إلى الإخوان اللهم إلا بعض نفر من صعيد مصر أبوا وصمموا على إقامة تنظيم خاص بهم، وبعد سنوات أضحى أبوالفتوح الشاب النابه عضوا بمكتب إرشاد جماعة الإخوان.

وحين شاءت المقادير أن ألتقى ذات يوم بأحد رموز العمل الإسلامى من السابقين الذين قدموا أعمارهم للدعوة قال لى عن عبدالمنعم أبو الفتوح: قد يكون أبوالفتوح ليس لديه الكم المعرفى الذى عند آخرين موسوعيين ولكنه أكثر ثقافة منهم بما لديه من مرونة وسعة أفق وقدرة فائقة على التعاطى مع الواقع المحلى والدولى، وفراسة مضمخة بالإيمان وبصيرة ثاقبة.

إلا أن الظلم لم يذر لعبدالمنعم فرصة لكى ينشر بين الناس مساحة الضوء التى فى قلبه وعقله حيث تم سجنه لسنوات، فضلا عن مصادرة تحركاته وحبس أنفاسه ووأد أطروحاته.

وإن أعجب فعجبى من مصادرة تحركاته التى كان ينشد فيها صالح الوطن ووأد الفتن التى كان يشعلها البعض عن عمد فى الوقت الذى كان فيه أولو الأمر يطلقون العنان لكل شاذ وديوث، ويكرمون كل من نشر أمراض السرطان من خلال المبيدات المسرطنة، ويعطون جائزة الدولة التقديرية ومعها مئات الألوف من الجنيهات لكل من يسب الإسلام وينشر الفتنة ويهدد أمن الوطن ويهدم ثوابت الأمة من أمثال القمنى وصحبه.

ولكن يزول عجبى عندما ألمح ملمحا هاما فى شخصية ذلك الرجل الفريد.. فحين كان صغيرا غض الإهاب نفر من الظلم وبغض الظالمين.. كان ذلك عندما رأى أحد أعمامه يقاوم فى بلدته أحد الأعيان الظالمين فتأثر بعمه، وأثر فيه جهاد هذا العم الأشم فانطبع النفور من الظلم فى قلبه فأوقف أبوالفتوح حياته على مقاومة الظلم ومجاهدة الظالمين بكلمة حق تخرج من فمه أو قلمه مدوية تصك آذان حكام جبلوا على الظلم وصيغ الظلم منهم.

والآن يمكث أبوالفتوح فى سجنه البغيض على فراش المرض، فقد أنّ قلبه من الظلم وتحشرجت أنفاسه وكأنها تتنسم عبير حرية أراد لها أولو الأمر أن تكون بعيدة المنال، ولكن قلبه بعيد المنال عنهم فلا يملكون عليه سلطانا.

أما الذين بيدهم الأمر والحبس والسجن فذات يوم سيموتون.. نعم سيموتون.. فقد مات قبلهم من ظن أن الخلود له، فهل فيكم يا من بيدكم الأمر والسجن رجل رشيد؟

لمعلوماتك...
1951 ولد عبد المنعم أبو الفتوح فى أكتوبر من هذا العام








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة