محمد حمدى

رسالة إلى صديق راحل

الثلاثاء، 21 يوليو 2009 02:27 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اليوم تمر الذكرى الثانية لرحيل صديقى العزيز الباحث الاجتماعى المتميز محمد حاكم، بعد صراع قصير جداً مع سرطان البنكرياس، عرفت حاكم فى أحد أيام صيف 1980 فى "أوتوبيس 15" ركبناه من ميدان رمسيس إلى بين السرايات فى طريقنا لجامعة القاهرة لتقديم أوراق الالتحاق بالجامعة والمدينة الجامعية.

جلست فى الأتوبيس إلى جوار حاكم وتعارفنا، وحكى كل منا أحلامه فى يومه الأول بالقاهرة.. جاء من كفر سعد البلد وأنا من المحلة الكبرى، فى رحلة نحو المستقبل، أنهينا الدراسة الجامعية وبدأنا العمل الصحفى، أنا فى جريدة الشعب وهو فى الأهالى، لكنه لم يستمر طويلاً وقرر تغيير مساره، ترك الصحافة وبريقها مصمماً على العمل كباحث اجتماعى، حيث التحق بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية.

فى المركز عاش حاكم سنواته القصيرة فى الدنيا وأنجز رسالة الماجستير بعنوان "أيام محمد على: التمايز الاجتماعى وتوزيع فرص الحياة فى القاهرة"، والتى صدرت بعد وفاته فى كتاب عن المجلس الأعلى للثقافة ونفدت كل نسخ الكتاب فى حفل تأبينه بنقابة الصحفيين.

كل من تعامل مع محمد حاكم يعرف جيداً أنه باحث مصرى متميز وموهوب، ناضل من أجل الديمقراطية فى مصر، وانخرط فى الحركة السياسية فى بداية عمره القصير، وكتب مدافعاً عن المعرفة والديمقراطية فى العديد من الصحف وفى دراساته وأبحاثه، ولعل أهمها كتاباته المميزة لعدة سنوات فى صحيفة الدستور.

وعكف فى سنواته الأخيرة على البحث فى مشاريع الدساتير المصرية قبل وبعد يوليو 1952، وراح يبحث عن أسباب تردى الوضع الدستورى والديمقراطى فى مصر، وأنجز دراسة مهمة عن الإسلام السياسى فى مصر كان يفترض أن تصدر بالاشتراك مع عماد أبو غازى، لكن المشروع تعطل منذ عامين، رغم أن حاكم أنهى، وهو على سرير المرض، ما يخصه من هذه الدراسة المهمة.

وكما رافقت محمد حاكم فى بداية رحلته للقاهرة فى عام 1980، رافقته لحظة صعود روحه للسماء فى أحد مستشفيات القاهرة، وفى رحلة وداعه الأخيرة فى مقابر كفر سعد التى ولد فيها ودفن فى ترابها أيضاً فى يوم 21 يوليو 2007.

قد تكون علاقتى بمحمد حاكم تجربة خاصة جداً، وقد لا يكون من الملائم شغل القراء بها، لكننى عاهدت نفسى أن أتذكره فى ذكرى رحيله كل عام، أقرأ الفاتحة على روحه وأبعث إليه رسالة سنوية أقول فيها إننى أفتقده جداً، ولن أنساه أبداً.. أفتقد الصديق الوفى.. أفتقد الأخ الذى لا أخجل فى الاعتراف أمامه بكل أخطائى.. أفتقد ابتسامته الحانية التى كانت ولا تزال تخفف كل همومى.

رحم الله محمد حاكم المواطن المصرى، الذى وصل إلى الحياة فى صمت.. ورحل عنها أيضاً فى صمت، لكنه أمضى ثلاثة وأربعين عاماً مهموماً بقضايا وطنه، وبالعمل الجاد فى صمت، نأى بنفسه عن الصراعات الشخصية وعن الأضواء الكاذبة، ولم يسمح للقاهرة بأن تغيره أو تبدله أو تصرفه عن الشأن العام إلى الاهتمام بنفسه أبدا.

محمد حاكم نموذج للصديق فى زمن غابت فيه الصداقة الحقيقية، فيا صديقى العزيز عزائى الوحيد وعزاء كل من أحبوك أنك فى دار الحق، وحين اشتاق إليك وإلى صداقتك أكتب إليك مثل هذه الرسائل حتى ألقاك.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة