بعض الناس يعتبر الدفاع عن القضية الفلسطينية والمسجد الأقصى من العبث الذى ينبغى علينا أن ننتهى منه، وأن نلتفت إلى مصالحنا وشأننا الداخلى, ولقد ذكرنى ذلك بالشاعر إيليا أبو ماضى عندما تكلم عن قضية الحرص والانكفاء على الذات فى قصيدته المشهورة "التينة الحمقاء" والتى وصف فيها التينة بأنها كانت غضة الأفنان باسقة, فأصابها داء الحرص والانكفاء على الذات عندما قالت, لأحبسنّ على نفسى عوارفها.... فلا يبين لها فى غيرها أثر, فلما أصابها داء الحرص ونفذت ما قالت أصبحت عارية..... كأنّها وتد فى الأرض أو حجر.... فلم يطق صاحب البستان رؤيتها..... فاجتثها، فهوت فى النار تستعر, ثم ختم قصيدته بهذه الحكمة الجميلة: من ليس يسخو بما تسخو الحياة به.... فإنّه أحمق بالحرص ينتحر.
فعلى الرغم من أننا واقعا نطبق نظرية الانكفاء على الذات هذه, على أرض الواقع منذ حرب العاشر من رمضان المجيدة وحتى العدوان الغاشم على غزة فإننا لم نر تقدما اقتصاديا تحسن فيه ظروف الفرد المعيشية، ولم نر تقدما سياسيا يشعر فيه المواطن المصرى بالحرية، ولم نر تقدما علميا والتكنولوجيا ولا سبقا أو حتى لحاقا بأى مضمار من مضامير السبق فى شتى المجالات على مستوى العالم, إذن فالقضية ليست الفاتورة التى دفعناها لفلسطين, وأظن لو أننا ظللنا فى دفع هذه الفاتورة فقد يكون حالا أفضل مما نحن فيه، وبخاصة ونحن واقعون تحت ضغط الإملاءات الخارجية كاستحقاقات لعملية السلام التى وقعناها مع اليهود، حتى وصل الأمر بنا أننا ساعدنا فى حصار غزة، ومازلنا نساعد فى ذلك ضاربين بكل الأعراف الإنسانية عرض الحائط، وبخاصة ما حدث عند العدوان الصهيونى المجرم على غزة.
إن داء الانكفاء على الذات وعدم النظر أبعد من موضع القدمين حمق ينبغى أن نحترس منه، لأن أمن مصر يبدأ من أمن فلسطين، ومن أمن السودان ومن أمن ليبيا ومن أمن السعودية, فإن أى قلاقل تصيب هذه الدول المحيطة بنا من الطبيعى أن يصب أثرها عندنا, ومن ثم فإن أية قضية صغرت أو كبرت تهدد هذه البلاد لابد من أن يكون لنا فيها دور فاعل وبخاصة فى ظل وجود عدو محتل لأرض فلسطين قدمه هناك وعينه وأنفه هنا, ينتظر اللحظة المناسبة، لينقض علينا وإن ادعينا معاهدات ومواثيق للسلام, فالمشهور عنه نقضه لكل المواثيق والمعاهدات, فإن خريطة إسرائيل الكبرى المعلقة على جدار الكنيست الإسرائيلى تشير إلى ذلك، بما لا يدع مجالا للشك فى هذه الرغبة المحمومة عندهم, ولذلك فإن دفاعنا عن فلسطين وقضاياها هو بالأساس دفاع عن أنفسنا, وإن حرصنا على عدم تفتيت السودان وتقطيعه والتدخل الأجنبى فيه هو حماية لأنفسنا, وأن مقاومة الأمراض القادمة من دول الجوار هو وقاية لأنفسنا.
لكن السكوت عن ضياع فلسطين وتقسيم السودان والتدخل الأجنبى فيها وغيره من الأمور سوف نعانى منه على المدى القريب أو البعيد متذكرين القول القائل: أكلت يوم أكل الثور الأبيض, إذن فإن الظرف القائم يشير إلى ضرورة تقوية الصداقات المحيطة بنا ودعمها من أجل دعم أنفسنا وحمايتها من الأخطار التى قد تهددها, لأن تآكل الأطراف لابد أن يؤدى فى يوم من الأيام إلى تآكل بقية الجسد, هذا إذا نظرنا إلى الموضوع من زاوية المنفعة المحضة, لكن زوايا أخرى لابد من أن ننتبه إليها, منها زاوية الدفاع عن ذوى القربى وإخوان العروبة والعقيدة, لأنه قد يصيبنا فى يوم من الأيام ما أصابهم وساعتها قد ننتظر منهم العون كما ينتظرون, ومنها زاوية الدفاع عن هذه البقاع المقدسة التى أصبح لزاما علينا من واقع عقيدتنا أن ندافع عنها، وإلا فلنتخل عن عقيدتنا وإسلامنا, وزاوية ثالثة تكمن فى الدفاع عن إخوان البشرية المستضعفين والمظلومين والسعى إلى إقرار العدل والأمن لهم وهذا حق تكفله كل المواثيق والعهود الدولية.