توجهت رانيا للهيئة القبطية الإنجيلية، حيث كانت ترغب فى تقديم عرض لعرائس الماريونت، إلا أنها فوجئت أن أطفال الشوارع هم من سيشاركونها ذلك العرض لتكون صدمتها أكبر أنهم ليسوا مجرد أطفال، بل كبار تتراوح أعمارهم ما بين 18 إلى 25 سنة ومسجلين خطر.
عاشت رانيا بين أطفال الشوارع حوالى أربعة أشهر، استطاعت خلالها أن تتعرف على تفاصيل ذلك العالم، خاصة بعد أن حصلت على ثقة هؤلاء الأولاد وبدأوا يروون لها تفاصيل حياتهم اليومية، والتى خطت من خلالها أحداث المسرحية، التى جعلت الفجوة بين العمل المسرحى والواقع تتلاشى. عالم أطفال الشوارع عالم له قوانينه التى تحكمه، فالاحتفال بطفل الشارع الجديد أو كما يطلقون عليه "الخشن"، له طقوسه الخاصة، فغالباً ما ينزل الطفل إلى الشارع هرباً من البيت الذى لم يستطع احتواءه، حيث يتعرف على أحد الأطفال الذى لا يتعدى عمره الثمانى سنوات يحببه فى حياة الشارع ويمنيه بالحرية التى سينعم بها بعيداً عن رقابة والديه.
يقتاده ذلك الطفل الصغير إلى مكان مهجور ويبلغ "القواد"، أى كبيرهم، فيقيمون له حفلة كبيرة يتناوبون فيها على اغتصابه، إلا أن ذلك الاحتفال لا ينتهى إلا بعد أن يعلمه بعلامة فى وجهه، حيث مكان العلامة وزاويتها تجعله معروفاً بأنه تابع للقواد الفلانى، الذى يتولى حمايته والدفاع عنه ويعلمه ممارسة الشذوذ.
"الكله غذاء الروح"، لا يستطيع أطفال الشوارع الاستغناء عن "شد الكله"، لذلك كانت رانيا تعانى من الاختفاء المستمر لعلب الكلة إلى جانب أنها كانت تطرد كل من يأتى لها "مبرشم"، والكلة ليست "الكيف" الوحيد، حيث يتعاطون "الصراصير" و"الأكنتول" و"أبو صليبة" وكلها أدوية تبعدهم عن العالم الذى يعيشون فيه ليحلقوا فى عوالم أخرى.
ربما كان يؤرقها فى بداية الأمر كيف ستتعامل مع هؤلاء الأطفال، وتطرق ذهنها إلى فكرة تعرضها للاغتصاب، إلا أنها سرعان ما تخلت عن تلك الفكرة بعدما تأكدت أنهم لا يعانون من أى كبت جنسى، حيث يمارس كل منهم الجنس مع فتيات الشوارع اللاتى تعملن فى مجال الدعارة.
"هددونى بالسلاح عشان يختبروا قوتى"، قالت رانيا متذكرة ذلك الموقف حين هددها أحد الأولاد بالقطر، وهو يقول لها "يحصل إيه لو أخدت وشك موس"، ردت رانيا فى ثبات، وهى ترمقه بنظرة تدل على ثباتها "مش عارفة جرب"، فلم يفعل لها شيئاً، لكنها لم تكن المرة الأخيرة، حيث حاول آخر أن يقطع يدها بمنشار، ولكنه تراجع فى اللحظة الأخيرة، "كان لازم أتحمل تهديداتهم عشان يفهموا أنى مبخفش ويثقوا فيا".
كانت رانيا تحرص على معاملتهم باحترام شديد، خاصة بعد اكتشفت أنهم رغم كل ما يلاقوه من إهانات فى الشارع وفى أقسام الشرطة، لا يقبلون إهانة المشرفين لهم، فكرامتهم فوق كل شىء، وهو ما عكسته المسرحية، حيث قدمت صورة لما يلاقيه طفل الشارع فى أقسام الشرطة، حيث يطلق عليهم الضباط لفظ "سيس"، أى الشىء الذى بلا قيمة، وينعكس ذلك فى المعاملة المذلة من تنظيف حمامات القسم وتلبية طلبات البشوات الضباط، وهو ما جعل الأولاد يتعاملون بعنف مع العروسة التى تمثل ضابط الشرطة، حيث كسروا رأسها وأنفها أكثر من مرة لا لشىء إلا أنها تمثل لهم ذلك الوجه القاسى.
الانتماء لشىء معين هو أهم ما اكتسبه هؤلاء الأولاد، فهى المرة الأولى التى يشعرون فيها أنهم ينتمون إلى مكان ويمتهنون مهنة، استطاعت رانيا إيقاظ الأحلام بداخلهم، فعبر لها أحدهم أنه يتمنى أن يعمل فى المجال السينمائى، من خلال الفن استطاعت رانيا أن تهذب سلوكياتهم، فأصبحوا يتجنبون الدخول فى أى معارك حفاظاً على وجهه من التشويه، وبدأوا يهتمون بمظهرهم وألفاظهم بعد أن تحولت رانيا إلى فتاة أحلامهم.
فى خلال الأربعة أشهر مدة الإعداد للعرض، ألقت الشرطة القبض على الأولاد، حيث كانت رانيا تبدأ من جديد مع آخرين، إلا أنها بعد أن وصلت إلى مرحلة تسجيل الصوت فى الأستوديو لم تستطع أن تستبدلهم بآخرين فتقدمت كمحامية للدفاع عنهم، لكن دون جدوى، فعرض عليها الأولاد أن ترتكب أى جريمة لتدخل معهم ويكملوا المسرحية بداخل الحبس.
بالطبع لم ترتكب رانيا أى جريمة، لكنها مازلت فى انتظار خروج عكوة وبزازة وزتونة وغيرهم ليشكلوا معها فريق البرجولة المسرحى "ناوية أعمل عرض تانى بس الأولاد اتقبض عليهم ومستنية لما يطلعوا من السجن".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة